الأربعاء 24 أبريل 2024 الموافق 15 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

سر اغتيال عالم الذرة المصري يحيى المشد في باريس

الرئيس نيوز

في مثل هذا اليوم 13 يونيو عام 1980، وفى الحجرة رقم 941 بفندق "الميريديان باريس" عُثر على عالم الذرة المصري الدكتور يحيى المشد جثة هامدة مهشمة الرأس ودماؤه تغطي سجادة الحجرة، وقد أغلق التحقيق الذي قامت به الشرطة الفرنسية على أن الفاعل مجهول!

بدأت الحكاية بعد حرب يونيو 1967 عندما توقف البرنامج النووي المصري تماما، ووجد كثير من العلماء والخبراء المصريين في هذا المجال أنفسهم مجمدين عن العمل الجاد، أو مواصلة الأبحاث في مجالهم، وبعد حرب 1973 وبسبب الظروف الاقتصادية لسنوات الاستعداد للحرب أعطيت الأولوية لإعادة بناء المصانع، ومشروعات البنية الأساسية، وتخفيف المعاناة عن جماهير الشعب المصري التي تحملت سنوات مرحلة الصمود وإعادة بناء القوات المسلحة من أجل الحرب، وبالتالي لم يحظ البرنامج النووي المصري في ذلك الوقت بالاهتمام الجاد والكافي الذي يعيد بعث الحياة من جديد في مشروعاته المجمدة.

في ذلك الوقت وبالتحديد في مطلع 1975 كان صدام حسين نائب الرئيس العراقي، وقتها يملك طموحات كبيرة لامتلاك كافة أسباب القوة؛ فوقّع في 18 نوفمبر عام 1975 اتفاقاً مع فرنسا للتعاون النووي.

من هنا جاء عقد العمل للدكتور يحيى المشد العالم المصري، والذي كان يعد من القلائل البارزين في مجال المشروعات النووية وقتها، ووافق المشد على العرض العراقي نظرا لتوافر الإمكانيات والأجهزة العلمية والإنفاق السخي على مشروعات البرنامج النووي العراقي.

والدكتور يحيى أمين المشد من مواليد عام 1932، قضى حياته في الإسكندرية، وتخرج في كلية الهندسة قسم كهرباء، جامعة الإسكندرية عام 1952، ابتعث إلى الاتحاد السوفيتي؛ لدراسة هندسة المفاعلات النووية عام 1956، ثم أسند إليه القيام ببعض الأبحاث في قسم المفاعلات النووية بهيئة الطاقة النووية في مصر، وسافر إلى النرويج عامي 63 و1964 لعمل بعض الدراسات، ثم انضم بعد ذلك للعمل كأستاذ مساعد ثم كأستاذ بكلية الهندسة بجامعة الإسكندرية.

وأشرف الدكتور المشد في فترة تدريسه بالكلية على أكثر من 30 رسالة دكتوراه، ونُشر باسمه 50 بحثاً علميًّا، تركزت معظمها على تصميم المفاعلات النووية ومجال التحكم في المعاملات النووية.

وكان أول ما زعموه عن "المشد" أن جهاز المخابرات الإسرائيلية "الموساد" استطاع اغتياله عن طريق فتاة ليل فرنسية، إلا أنه ثبت عدم صحة هذا الكلام؛ حيث إن ماري كلود ماجال كانت تريد أن تقضي معه سهرة، أكدت في شهادتها أنه رفض تمامًا مجرد التحدث معها، وأنها ظلت تقف أمام غرفته لعله يغيّر رأيه؛ حتى سمعت ضجة بالحجرة، ثم اغتيلت هذه الشاهدة الوحيدة أيضاً.

وقيل أيضاً إن هناك شخصاً ما استطاع الدخول إلى حجرته بالفندق وانتظره حتى يأتي، ثم قتله عن طريق ضربه على رأسه.

ودليل الاغتيال أن المفاعل العراقي تم تفجيره بعد شهرين من مقتل المشد، والمثير للشكوك أن الفرنسيين صمّموا على أن يأتي المشد بنفسه ليتسلم شحنة اليورانيوم، رغم أن هذا عمل يقوم به أي مهندس عادي كما ذكر لهم في العراق، إلا أنهم في العراق وثقوا فيه بعدما استطاع كشف أن شحنة اليورانيوم التي أرسلت من فرنسا غير مطابقة للمواصفات، وبالتالي أكدوا له أن سفره له أهمية كبرى.

الغريب أنه بعد رجوع أسرة المشد من العراق؛ قاموا بعمل جنازة للراحل، ولم يحضر الجنازة أي من المسئولين أو زملاؤه بكلية الهندسة إلا قلة معدودة، حيث إن العلاقات المصرية العراقية وقتها لم تكن على ما يرام بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد، وأصبحت أسرة المشد الآتية من العراق لا تعرف ماذا تفعل بعد رحيله، لولا المعاش الذي كانت تصرفه دولة العراق والذي صرف بناء على أوامر من صدام حسين مدى الحياة، رغم أنه توقف بعد حرب الخليج، ومعاش ضئيل من "الشئون الاجتماعية" التي لم تراع وضع الأسرة.

وبقي ملف المشد مقفولاً، وظلت نتيجة التحريات أن الفاعل مجهول، وأصبح المشد واحداً من سلسلة من علماء العرب المتميزين الذين تم تصفيتهم على يد "الموساد".