الجمعة 19 أبريل 2024 الموافق 10 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

خبير بالشئون الأفريقية يتحدث عن فترة "التقاط الأنفاس" في أزمة سد النهضة: المفاوضات لم تبدأ بعد (حوار)

الرئيس نيوز

 

-          دور مصر في أفريقيا لم يتراجع خلال الثمانينات والتسعينات

-          إثيوبيا حتى الآن لم تسمح بتفاوض حقيقي حول السد

-          المطالبة بإلغاء عنتيبي سيوجد حساسية لدى دول الحوض

-          الاهتمام بأفريقيا ليس مسألة وقت

-          لا بد من طرح ملف الإرهاب في ليبيا كقضية أفريقية وليست عربية فقط

 

قال الخبير في الشئون الإفريقية وحوض النيل بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، الدكتور أيمن عبدالوهاب، إن هناك مبالغة في الحديث عن تراجع الدور المصري إفريقيا خلال "الثمانينات والتسعينات".

وتحدث في حوار لـ"الرئيس نيوز"، عن العلاقات المصرية الأفريقية في هذه الفترة، كما تناول العلاقات الحالية مع إثيوبيا وأزمة سد النهضة، وكيف يمكن أن يكون دور مصر خلال رئاستها للاتحاد الافريقي.

وإلى نص الحوار:

 

-          ما آخر تطورات أزمة سد النهضة الإثيوبي؟

إثيوبيا حتى الآن لم تسمح بتفاوض حقيقي حول سد النهضة وما حدث في السنين الماضية هو مجرد مباحثات، والفرق واضح بين المباحثات والمفاوضات، ومن المؤكد أن المشاكل الفنية قللت درجة التوتر وأعطت مساحة من الوقت لالتقاط الأنفاس، ولذا يجب على مصر الاستعداد للجولة القادمة ويجب أن نطرح الموضوع في صورة أوسع وأشمل، وربما يمثل ذلك مخرجا لعدد من الدول الأفريقية لتجاوز الوضع  القديم الذي أوجده اتفاق عنتيبي وسد النهضة.

والتحرك المصري يجب أن يرتبط بفكرة الإدارة المشتركة واستكمال الدراسات الفنية التي لم تستكمل والتأكد من معامل أمان كبير للسد والتعامل مع الجانب الإثيوبي بفكرة أن الأضرار بالمصالح الإثيوبية مكلف.

 

-          ما هي أهم القضايا التي يجب على مصر تبنيها خلال رئاستها للاتحاد الأفريقي؟

منذ تولي الرئيس عبدالفتاح السيسي مقاليد الحكم منذ 2014 هناك سياسة خارجية مصرية تقوم على محورين الأول يرتبط بفكرة الأمن والاستقرار وتحت هذا العنوان الكبير هناك العديد من القضايا في مقدمتها قضية الإرهاب وكما نعلم أفريقيا تعاني من ويلات الإرهاب في عدد من البؤر والنقاط الواضحة بشكل كبير في مقدمتها منطقتي الساحل والصحراء والصومال اللتان تتماسا بشكل واضح وكبير ومباشر مع الأمن القومي المصري.

وهناك قضية اللاجئين ومصر لعبت دورا كبيرا للغاية في غلق هذا الباب الذي كان مساره من الجنوب ويمر بمصر وينطلق إلى أوروبا أو إسرائيل.. وهذا الملف تم غلقه بشكل كبير جدا والجهود المصرية في هذا الأمر واضحة للجميع بما فيها إشادة الاتحاد الأوروبي بالأداء المصري.

أيضاً هناك قضية الأمن المائي وما ترتبط به هذه القضية من أهمية لإيجاد صيغة للتعاون والتنسيق بين دول حوض النيل بشكل عام وبين مصر وإثيوبيا بشكل خاص بسبب سد النهضة، فضلا عن فكرة الصراعات والمنازعات التي تعاني منها بعض الدول الأفريقية ومصر وضعت هذا البند تحت فكرة تعزيز الأمن والاستقرار في القارة الأفريقية.

.. ماذا عن المحور الثاني؟

والمحور التاني هو محور التنمية، ومحور التنمية يتماس مع محور الأمن لأنه لا يمكن الدفع إلى تنمية دون وجود استقرار بالتالي المحورين متلازمين ومتكاملين في نفس الوقت، ومصر انطلقت في دعم المشاريع والتعاون الثنائي والمباشر مع العديد من الدول الأفريقية، كما دعمت وعززت فكرة الاستقرار ودعمت فعلت فكرة منطقة التجارة الحرة الأفريقية ودعمت التعاون الأفريقي مع العديد من القوى الدولية هناك منتديات أفريقية للتعاون مع الولايات المتحدة مع روسيا مع الصين مع العديد من الدول والمنصات الدولية حيث كانت مصر تتبنى أهمية أن تتحمل الدول الكبرى مسؤوليتها في دعم عملية التنمية في أفريقيا وأن استغلال الموارد الأولية من أفريقيا يجب أن يستتبعه عملية تنمية متكاملة وليس مجرد استغلال هذه الموارد فقط.

أيضا فكرة التنمية التي تبنتها مصر مع القارة تتجاوز المصالح المصرية المباشرة بما يمكن تسميته بتكامل المجالات مع بعضها البعض.

أعتقد أن بشكل رئيس المنهاج المصري بطرح ما يمكن أن نطلق عليه مثلثات التنمية التي ترتبط بشكل تكامل بحيث أن يمكن أن تقوم بعمل تكامل بين الموارد الطبيعية والاقتصادية بين الدول بحيث يحدث بينها تكامل، ولدينا في هذه المثلثات الجزء الأول يرتبط بالطاقة والغذاء والبناء، كيف يمكن ان تتكامل هذه المثلثات او المحاور التي من الممكن ان تمثل ايضاً عنصر تهديد وعدم استقرار.

لكن الشراكة تجعلها مساحة للتعاون والتكامل بين الدول الأفريقية وبعضها البعض، وهذا هو المدخل الأهم الذي يجب ان تركز عليه مصر، وتكون المرحلة القادمة كيف يمكن أن يحدث تكامل بين الغذاء والمياة والطاقة ومصر لديها من الخبرات والكوارد للقيام بذلك وهذا يعزز من فكرة الأمن مائي المصري بشكل كبير.

هل هناك محاور أخرى؟

هذان المحوران هما الأبرز إلى جانب العديد من القضايا الأخرى التي يمكن طرحها مثل قضية علاقة أمن البحر الأحمر بشرق أفريقيا والتنافس الدولي على موانئ البحر الأحمر وشرق أفريقيا وتنافس القوى الدولية على الموارد الطبيعية في منطقة القرن الأفريقي ومنطقة البحيرات العظمى

هذه قضايا أعتقد أنها تمثل أولوية للقيادة السياسية المصرية ولدى صناع القرار في السياسة الخارجية. ولكن الأمر يحتاج مزيدا من الجهود لاسيما من الداخل المصري حتي يمكن أن تكون هناك منظومة متكاملة بين كل المؤسسات المصرية التي تتعاون مع أفريقيا بأن يكون لديها هذه الرؤية وأن تمتلك الأدوات التي يمكن ان تتكامل بحيث تكون الاستراتيجية المصرية استراتيجية مرنة وفعالة في نفس الوقت.

-          هناك اتهامات لمصر بأن الاهتمام بافريقيا مسألة وقت جاء في إطار مسألة سد النهضة.. ما تعليقك؟

هذا الكلام مردود علية بشكل كبير جدا وواضح جدا، في حجم التحركات المصرية، في طبيعة الخطاب السياسي المصري، في أداء مؤسسة الرئاسة، وهي أعلى قمة في عملية صنع السياسية في مصر.

أي متابع نزيه للأداء والتحرك المصري يدرك أن حجم التحرك وحجم المردود الأفريقي هو أبلغ رد على ذلك، من يدعي عليه أن يرى رد الفعل الأفريقية مع التحركات المصرية التي تنفي هذه الاتهامات والقصور.

وحدوث تقصير من بعض الجهات المصرية تجاه أفريقيا في بعض الأوقات هو من شجع البعض لطرح مثل هذا الحديث. فعندنا مقارنة الدور المصري في الخمسينات والستينات بالدور في الثمانينات والتسعينات فهناك تراجع لكن يجب أن نأخذ في الاعتبار حجم التغيرات التي حدثت سواء على توجهات السياسية الخارجية المصرية أو على نظرتها للتعاون في القارة الأفريقية ورد الفعل الأفريقي.

هناك توجهات من دول كبرى لممانعة الدول الدور المصري وتحميل أعباء كثيرة على أي تحرك مصري في أفريقيا، وهناك مبالغة في الحديث عن تراجع الدور المصري أفريقيا خلال عقدي الثمانينات والتسعينات. والدليل على ذلك عندما تم طرح فكرة حصول أفريقيا على مقعدين في مجلس الأمن، فحدث تنافس شديد، وكانت فرص مصر كبيرة للغاية.

-          هل هناك نظرة شك في عودة مصر للعب دور في القارة من قبل فاعلين أفريقيين جدد أو قدامي كنيجيريا وإثيوبيا أو تنزانيا؟

تقاطع المصالح هو من يحكم الأمر، فهناك ممانعات أو عدم ترحاب من بعض الدول الأفريقية الكبرى والفاعلة في قضايا معينة، ولكن هناك ممانعات من قبل دول صغيرة وليست مؤثرة بالقدر الكبير ولكنها تمثل إزعاجا ونوع من الممانعة للدور المصري في بعض الأحيان. إلى جانب بعض القوى الدولية التي كانت ترفض الدور المصري في بعض القضايا وفي بعض الدولة كالولايات المتحدة الأميركية في الصومال ومنظمة الإيجاد، والرفض الفرنسي للدور المصري في إريتريا. فالممانعة وعدم الممانعة مرتبطة بالقضية المطروحة، فالقضايا والموضوعات المطروحة ليست بالسلاسة واليسر مثلما كانت في فترة الثمانينات.

-          ماذا عن الدور المصري في ليبيا؟

أنا أرى ضرورة طرح مصر لملف الإرهاب في ليبيا كقضية أفريقية وليست عربية فقط، لأن الإرهاب في ليبيا مهدد لأفريقيا أيضاً وليس مصر فقط، فهناك تقاطعات مع الوضع في تشاد ومالي والسودان والصومال والساحل والصحراء كلها مرتبطة بملف عدم الاستقرار في ليبيا.

-          كيف لمصر أن تربط الدول الأفريقية بصلات كبيرة تجعلها مطلوبة للعب دور أفريقي؟

حدوث هذا الأمر مرتبط بوضوح الاستراتيجية المصرية وجعلها أكثر تماساً مع مصالح الغالبية العظمي من الدول الأفريقية، وتعظيم الدور المصري في الدفاع عن القضايا الأفريقية في المؤسسات الدولية ومصر لديها خبرة كبيرة في ذلك، فضلاً ضرورة ان تكون رؤيتك للتعاون اكثر عمقاً وتاثيراً  في المرحلة القادمة، ويجب ربط المصالح المباشرة وهو ما يعظم الدور المصري ، مثل المشاركة في بناء سد في تنزانيا وهذه تمثل نقلة نوعية في العلاقات المصرية الافريقية، وزيادة التبادل التجاري الحادث الان، وعمل مشروعات للربط الكهربائي وتنفيذ مشروعات للبنية التحتية.

-          هل الدور المصري النشط حالياً أنهى اتفاقية "عنتيبي"؟

بالطبع لا، هناك مشكلة في اتفاقية "عنتيبي" ، حتى الآن لم يطرح بديل، فضلاً عن التعنت الأثيوبي واستمراره لولا حدوث المشكلة الفنية في بناء سد النهضة، هناك مشكلة في الأمن المائي. ومصر في حاجة لطرح مبادرة أخرى لدول الحوض، تتمثل في ربط الأمن المائي بالأمن الغذائي بأمن الطاقة.

مصر في حاجة لرؤية أكثر اتساعاً، واستمرارية لفاعلية الدول المصري، وفي بعض الأحيان تحتاج لتحرك خشن لانه لابد من دفع تكلفة الأضرار بالمصالح المصرية لأن هذه نقطة في حسابات الأطراف الأخرى.

والتعاون بديل مطروح وأيضا الأضرار بالمصالح المصرية له تكلفة كبيرة. وبالتالي فالمنهاج المصري يحتاج في المرحلة القادمة نوع من الاستمرارية والضغط بشكل كبير وتبني مبادرة كبيرة في اتجاه التعاون المائي، لأن المعروف أن مشكلة الأمن المائي في الحوض ليست مشكلة ندرة مياه فكل الدول لا تستهلك أكثر من 10% من حصتها وهناك هدر في المستنقعات وبالتالي القضية هي كيف يمكن أن نوجد إدارة تعاونية بين دول الحوض لتعظيم الاستفادة من التعاون المائي بين الدول بعضها البعض، وهذا يحتاج للوصول إلى إطار قانوني ومؤسسي يتجاوز فكرة اتفاق عنتيبي ويضع الموضوع في سياق أوسع من السياق المائي.

هل نطالب بإلغاء اتفاقية "عنتيبي"؟

أنا أرى أن المطالبة بإلغاء عنتيبي سيوجد حساسية لدى دول الحوض، ولكن وجود مبادرة أكثر اتساعا تشمل هذا الاتفاق برؤية أشمل تتضمن التعاون المائي والغذائي والكهرباء والطاقة كمحاور للتعاون بين دول الحوض أعتقد مع بعض الجهود الأخرى ممكن أن تمثل بادرة لتحريك الأوضاع، فالوضع مجمد وباقي دول الحوض تنتظر نتيجة المفاوضات بين مصر وإثيوبيا حول سد النهضة وبالتالي سيكون نموذج لما هو قادم بين دول الحوض يؤخذ منه الاعتبار.

هناك العديد من السدود التي ستبنى وهناك العديد من الأفكار لتعظيم الاستفادة من النهر وبالتالي إذا لم يكن هناك إطار يجمع هذه الأمور مع بعضها سنكون أمام مزيد من المشاكل والتوترات في الحوض، ويجب أن يكون هناك خطوة استباقية حتي نتجنب الخوض في الكثير من المشاكل.كطرح آلية للربط بين جميع السدود على النهر وتنظيم المياه.