الجمعة 19 أبريل 2024 الموافق 10 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

"سنوات النار والثلج" (8): "صدام" يعطِّل ثورة الأكراد.. و50 ألف دينار من القذافي لاستئناف القتال

الرئيس نيوز

مشروع لم يكتمل لرجل دين وهو طفل، مقاتل يحمل السلاح ويعيش في الجبال، سياسي مخضرم يصبح أول رئيس جمهورية كردي للعراق؛ هكذا عاش الرئيس الراحل جلال طالباني حياة حافلة بين "النار والثلج"، يمكننا أن نتعرف منها، إلى جانب سيرته الذاتية الثرية، على تاريخ العراق والعالم العربي في أكثر من نصف قرن.

كتاب "مذكرات جلال طالباني.. سنوات النار والثلج"، للكاتب معد فياض، يقترب للغاية من الزعيم السياسي الكردي، في مهمة شاقة وثرية، عايش فيها محرر المذكرات الرئيس الذي يتمتع بالحيوية واليقظة، في أكثر من مدينة، وأنتج لنا هذا العمل الصادر قبل سنتين عن دار "سطور" في بغداد.

ولا يخفي المؤلف إعجابه الشديد بشخصية "طالباني"، بل إن هذا هو ما دفعه لتحرير مذكراته التي يجدها مهمة شاقة، إذ "كيف يمكن لنا أن نلملم أطراف ذكريات رجل بدأ ينسج تاريخه الاجتماعي والثقافي والسياسي وهو في العاشرة من عمر طفولته".

"الرئيس نيوز" يعرض على حلقات مذكرات أول رئيس كردي في تاريخ الدولة العراقية، وسابع رئيس عراقي، ذلك الرجل الذي رفع شعار "الحرية لكردستان، والديمقراطية للعراقيين".

بعد التوقف قليلا عند قصة زواج جلال طالباني، نعود الآن إلى الأحداث السياسية التي لعب فيها دورا بارزا، والمحطة الزمنية الآن هي مايو 1975، والمكانية هي سوريا، حيث مقهى "طليطلة" بالعاصمة دمشق، إذ اجتمع "طالباني" بثلاثة من قادة الحزب الديمقراطي الكردستاني، هم فؤاد معصوم وعادل مراد وعبد الرزاق ميرزا.

وبحث القادة الأربعة وضع الثورة الكردية التي خمدت بفعل الاتفاقية التي وقعها شاه إيران محمد رضا بهلوي مع صدام حسين، نائب رئيس مجلس قيادة الثورة العراقية، آنذاك، بالجزائر 1975، بعد عام من إعلان الحكومة في 1974 الحكم الذاتي للأكراد من جانب واحد، الأمر الذي رفضه أصحاب الشأن واعتبروه إجهاضا لكل الاتفاقيات السابقة بما لا يضمن حقوقهم.

خرج الاجتماع إذن باتفاق على تأسيس تحالف سياسي جديد سيسمونه "الاتحاد الوطني الكردستاني"، وسيكون من أولوياته إعادة الثورة إلى الميدان مرة أخرى، وخوض النضال المسلح للحفاظ على حقوق الأكراد.

كان الكيان الكردي الذي سيتولى جلال طالباني لاحقا منصب أمينه العام، رد فعل على إلغاء مصطفى بارزاني الحزب الديمقراطي الكردستاني وإيقاف الثورة الكردية، لكن  "طالباني" يرفض تفسير الخطوة بأنها انشقاق عن "بارزاني"، معتبرا أنه "مواصلة لطريق الثورة الكردية"، بعد أن حلّ "بارزاني" الحزب، وكان لا بد من تنظيم جديد.

يقول جلال طالباني: "كنا نعتقد بأن مستلزمات النضال السياسي والكفاح الجماهيري المسلح موجودة في كردستان وأننا سننجح ونحقق أهدافنا وأن القيادة كانت قد ارتكبت اجتهادا خاطئا عندما أوقفت القتال، بينما نحن نؤمن بأن الكفاح المسلح كان يجب أن يستمر ويحقق انتصاراته، لهذا انضم إلينا الكثير من قيادات وقواعد الحزب الديمقراطي الكردستاني".

تلقى الكيان الكردي الجديد الدعم من ثلاث دول كالتالي: "سياسي" من السوفييت، "عسكري" من سوريا، و"مالي" من ليبيا، ويحكي "طالباني" كيف كان يعتمد على كل منهم في تلك الفترة: "كان لنا معسكران للتدريب في سورية، واحد قرب دمشق والثاني في القامشلي".

وعن ليبيا يحكي: "قبل تأسيس الاتحاد، زرت القذافي بناء على دعوة منه وعرضوا هناك عليّ الأموال لدعم القضية الكردية، فقلت لهم أنا ما عندي الآن حزب ولا مقاتلون ولا أحتاج الأموال حاليا والذي أملكه يكفيني، لكننا إذا احتجنا الأموال لغرض الكفاح فسوف أطلب منكم الدعم، وبالفعل بعد تأسيس الاتحاد ذهبت إلى ليبيا وقلت لهم الآن نحن بحاجة إلى دعمكم فقالوا أهلا وسهلا، وسألوني عما نحتاجه فقلت نحن نحتاج إلى 50 ألف دينار ليبي شهريا، وقرروا منحنا هذا المبلغ كل شهر حتى انكشف هذا الأمر عندما سافر عبد السلام جلود إلى بغداد عرضوا أمامه وثيقة تؤكد تقديم ليبيا مساعدات مالية لنا، فتوقفوا لفترة ومن ثم عاودوا دعمنا".

بالنسبة للسوفييت، كانت لجلال طالباني زيارات إلى موسكو في الفترة الانتقالية للثورة الكردية، يقول: "ذهبت إلى هناك بصورة سرية وقلت لهم إننا سنعاود القتال من خلال الاتحاد الوطني، كانوا يشددون على ضرورة مواصلة القتال وحددوا لنا شخصا نتصل من خلاله في لبنان، وهم لم يقدموا لنا مساعدات مادية هذه المرة بل بقي دعمهم لنا سياسيا فقط".

أين النظام العراقي من كل هذا إذن؟ ما حدث أن الحكومة استهزأت بالاتحاد ولم تتصور فكرة مواصلة الكفاح المسلح، ويتذكر جلال طالباني رد فعل صدام حسين ويروي: "كنت على علاقة وثيقة مع الدكتور جورج حبش الذي تربطني به علاقة صداقة وتقارب فكري، خاصة وأني عملت مع المقاومة الفلسطينية عبر الجبهة الشعبية لعامين 1970 و1971، وقد بارك حبش لنا خطوتنا هذه وأثنى على مواصلتنا للنضال والكفاح المسلح، وهو من اقترح أن نفتح حوارا مع الحكومة العراقية وأن نلتقي معهم، لهذا نقل لي حبش بأنه فاتح صدام حسين بموضوع لقائنا وأن نجري حوارا معهم، لكن صدام قال له: لو تطلع نخلة براس جلال طالباني ما راح يقدر يصعد ستة مقاتلين إلى الجبل".

وعقب "طالباني" قائلا: "لكننا بعد أقل من عام على تأسيس الاتحاد وفي عام 1976 بدأنا القتال ثانية وبوحدات صغيرة، وتدريجيا توسعنا وتوسعت عملياتنا القتالية". في ذلك الوقت كان الحزب الديمقراطي الكردستاني عاد للقتال أيضا، لكن المعارك كانت منفصلة، ولم يحدث تعاون بين الرفاق القدامى.

يحكي "طالباني" عن أنشطة الاتحاد في تلك الفترة التي كانوا فيها "محاصرين من قبل إيران وتركيا والعراق"، فيقول: "قبل أن نبدأ القتال كانت هناك مجاميع تذهب إلى القرى والمناطق الجبلية لأغراض التوعية والتثقيف بوجود الاتحاد ومعاودة القتال والكفاح المسلح، وبعد سنة من تأسيس الاتحاد بدأنا القتال بمجموعات صغيرة في مناطق حلبجة وبهدنان وأربيل، ثم توسعت هذه المجاميع لتضم أعدادا كبيرة من المقاتلين".

عملت قوات الاتحاد الوطني على "التحرش" بقوات الحكومة العراقية والداعمين لها، وخصوصا تلك القوات الكردية التي كانت تتعاون مع النظام مقابل الأموال، وظل الوضع هكذا دون مفاوضات مع صدام حسين الذي سيصبح هو المسيطر على مقاليد الأمور في بلاد الرافدين، لكن "طالباني" لم ينس وسط كل ذلك أنه يحلم بحقوق شعبه من الأكراد كجزء من كل العراقيين الذين يحلم لهم جميعا بالديمقراطية.