الجمعة 19 أبريل 2024 الموافق 10 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

يوميات السلطان الغوري في رمضان: يصطاد بالكلاب ويلف القاهرة ويختم "البخاري"

الرئيس نيوز


- يستعرض السلع في اليوم الأول.. يذهب إلى "قبة يشبك" كثيرًا.. ويوزع الكسوة و"الجامكية" ليلة العيد


أوله تجهيزات، أوسطه ترفيه، وآخره إحياء الليالي.. هكذا يمكننا أن نقسم يوميات شهر رمضان بالنسبة للسلاطين والملوك في العصر المملوكي.
قنصوه الغوري، السلطان قبل الأخير للماليك الشراكسة في مصر هو مثال واضح على ذلك، وفقا لما ورد في كتاب "بدائع الذهور في وقائع الدهور" للمؤرخ المصري محمد بن أحمد بن إياس.
في السطور التالية نرصد يوميات "الغوري" في رمضان، والتي كانت 

تجهيزات السلع
في اليوم الأول رمضان كل عام، جرى العرف على أن يصعد رجال الدولة مثل الوزير والقضاة والمحتسب إلى السلطان ليهنئونه بحلول الشهر.
بعد ذلك يكون على السلطان استعراض التجهيزات "الغذائية"، ففي ذلك اليوم تعرض عليه كميات اللحم والخبز والدقيق والسكر والغنم، والتي تأتي في موكب حافل "على رؤوس الحمالين وقدامهم الطبول والزمور".
ويلي ذلك بالطبع توجيهات السلطان للمحتسب الذي يتولى أمر الأسواق، بفرض تسعيرة جبرية على بعض السلع الغذائية، أو تحديد قيمة العملة بالفضة.

الترفيه
اللهو شيء أساسي عن السلاطين والملوك، وهو بالطبع يأخذ اشكالا تمزج بين الرفاهية والوقار، من ذلك ما كان يفعله قنصوه الغوري.
ففي اليوم التاسع من شهر رمضان سنة 1511 يسجل "ابن إياس" ما يلي: "نزل السلطان من القلعة وصحبته ولده، فتوجه إلى نحو المطعم السلطاني وجلس على المصطبة التي هناك، فرموا قدامه رماية بالطيور والكلاب وانشرح في ذلك اليوم".
ومن المعروف عن المماليك حبهم لعادة الصيد أو القنص، وكانوا يربون لاجل ذلك الطيور الجارحة للقنص أو الكلاب المدربة للصيد، ويعينون موظفين لرعاية كل هذا، وفي اليوم الذي يختاره السلطان للترفيه يجهزون له كل شيء، وإما أن يصطاد أو يقنص بنفسه، أو يتفرج على العرض.

مشوار آخر للترفيه كان من الطقوس المفضلة للسلطان الغوري، وهو "قبة الأمير يشبك"، ويسجل "ابن إياس كثيرا في أكثر من يوم هذه العبارة: "وسيّر إلى قبة الأمير يشبك التي بالمطرية، ثم عاد إلى القلعة من يومه".
وقبة يشبك هي قبة بناها الأمير يشبك الدويدار، في عصر الأشرف قايتباي، سنة 1481، ناحية المطرية قديما بغرض الاستراحة والتنزه فيها خارج القاهرة بحدودها القديمة آنذاك.
ولما تولى "الغوري" مشى على خطى "يشبك" في استغلال القبة لغرض الرياضة والتنزه، كما بنى ععدا من فساقي الماء، وحفر بئرا ليشرب منه المسافرون الذين كانوا يمرون بالمنطقة.

جولات تفقدية
مثلما كان يوم قنصورة الغوري يقتصر في بعض الأيام على فسحة هنا أو هناك يعود على إثرها إلى القلعة، فإنه أيضا كان يقضي طول النهار في متابعة بعض الأعمال والمصالح.
مثلا، في يوم 23 رمضان 1511 نقرأ أنه نزل من القلعة بصحبته ولده، فتوجه إلى مقياس النيل بجزيرة الروضة، وأقام به لمدة ساعة، ثم نزل في "الحراقة"، وهي السفينة التي كانت تحمل مرامي النيران، ثم ذهب إلى بولاق ليستعرض المراكب التي أمر بإنشائها هناك.
بعد ذلك ركب "الغوري" إلى قنطرة الحاجب، وهي جسر كان مقاما على أحد الخلجان بمنطقة الظاهر حاليا، وكانت مجهزة بصفين من الحوانيت على جانبيها وعليها "سقيفة" تقي من الحر.
ونقرأ بقية الجولة كما يسجلها "ابن إياس" كالتالي: "ثم  غادر من هنام ودخل باب الشعرية، ثم أتى إلى باب القنطرة وكشف على الربع الذي عمره على القنطرة من الجهتين، وخرج من باب القنطرة وشق من سوق مرجوش، ثم شق من القاهرة وطلع من بابي زويلة إلى القلعة، وكان في نفر قليل من العسكر".
وفي يوم الأربعاء سادس عشرينه نزل السلطان وسير إلى جهة المطرية ثم عاد إلى القلعة.


ختم البخاري
في الأيام الأخيرة من رمضان تنحسر مشاوير السلطان نسبيا، ويكون تركيزه على القلعة التي يحيي فيها الاحتفالات الدينية ويباشر رجاله في البلاط والجيش.
واحدة من الاحتفالات الدينية التي كانت ثابتة في عصر المماليك وخصوصا قنصوه الغوري، هو ختم صحيح البخاري، وهي مناسبة كانت تحيى في جامع القلعة أو في خيمة كبيرة بما يسمى الحوش السلطاني.
يسجل "ابن إياس" هذه العادة السنوية كالتالي: "في يوم الخميس سادس عشرينه كان ختم صحيح البخاري بالقلعة، ونصب السلطان خيمة كبيرة بالحوش على العادة، وحضر هناك القضاة الأربعة ومشايخ العلم وأعيان الفقهاء ففرقت عليهم الخلع والصرر لمن له عادة، وكان ختما حافلا".

توزيع "العيدية"
أما اليوم الأخير من رمضان، والذي غالبا ما يكون 29 يوما، فإن السلطان الغوري يستعرض أزياء العيد الجديد والتي يقدمها له "ناظر الخاص". ويسجل "ابن إياس" بشكل طريف أن "خلع العيد" هذا كانت في سنة من السنوات "في غاية الوحاشة".
في نفس اليوم أيضا يوزع السلطان على عساكره الكسوة والجامكية، والأخيرة هي "العيدية" بمعناها المتعارف عليه اليوم"، وكانت وقتها عبارة عن طبق مملوء بالدنانير الذهبية أو الفضية.