الثلاثاء 23 أبريل 2024 الموافق 14 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

"سنوات النار والثلج" (4): جلال طالباني يقابل "بارزاني".. الملكية تسقط.. و"الثورة الكردية" تندلع

الرئيس نيوز

- شهر عسل مع أول حكومة جمهورية ينتهي بقصف قرى الأكراد.. والسياسي الشاب يحمل السلاح ويقود آلاف "البيشمركة"

 

مشروع لم يكتمل لرجل دين وهو طفل، مقاتل يحمل السلاح ويعيش في الجبال، سياسي مخضرم يصبح أول رئيس جمهورية كردي للعراق؛ هكذا عاش الرئيس الراحل جلال طالباني حياة حافلة بين "النار والثلج"، يمكننا أن نتعرف منها - إلى جانب سيرته الذاتية الثرية – على تاريخ العراق والعالم العربي في أكثر من نصف قرن.

كتاب "مذكرات جلال طالباني.. سنوات النار والثلج"، لمعد فياض، يقترب للغاية من الزعيم السياسي الكردي، في مهمة شاقة وثرية، عايش فيها محرر المذكرات الرئيس الذي يتمتع بالحيوية واليقظة، في أكثر من مدينة، وأنتج لنا العمل الصادر قبل سنتين عن دار "سطور" في بغداد.

ولا يخفي المؤلف إعجابه الشديد بشخصية "طالباني"، بل إن هذا هو ما دفعه لتحرير مذكراته التي يجدها مهمة شاقة، إذ "كيف يمكن لنا أن نلملم أطراف ذكريات رجل بدأ ينسج تاريخه الاجتماعي والثقافي والسياسي وهو في العاشرة من عمر طفولته".

"الرئيس نيوز" يعرض على حلقات مذكرات أول رئيس كردي في تاريخ الدولة العراقية، وسابع رئيس عراقي، ذلك الرجل الذي رفع شعار "الحرية لكردستان، والديمقراطية للعراقيين".

 

*

كان الزعيم الكردي التاريخي مصطفى بارزاني بالنسبة لجلال طالباني بمثابة "رمز التحرر الوطني"، لذلك فإنه لم يتخل عن حلمه وسعيه للقائه منذ كان في موسكو على هامش مشاركته في مؤتمر الطلبة العالمي بوارسو سنة 1955.

بعد سنتين بالضبط، سنحت الفرصة لـ"جلال" الذي أصبح في الرابعة والعشرين، للقاء "بارزاني"، إذ دعي السياسي الكردي الصغير إلى حضور مهرجان الشباب والطلبة العالمي في موسكو سنة 1957، كجزء من الوفد العراقي، بصفته رئيس اتحاد الطلبة الكردستاني.

الآن وافق الزعيم الكبير على المقابلة، وتحددت إجراءات أمنية اقتضت من "جلال" مثلا أن يجلس في مكان محدد أمام المبنى الذي كان يقيم فيه بموسكو كل يوم، وينتظر فترة من الوقت، وقد يأتي من ياخذه لـ"بارزاني".

فعل السياسي الشاب ما طُلب منه، وفي يوم من أيام الانتظار جاء اثنان وأخذاه لمصطفى برزاني الذي فتح باب الشقة التي يقيم بها وعانق "طالباني"  الذي "أغمى عليه من شدة الفرحة". ثم جلسا وتحدثا عن وضع الأكراد والقضية الكردية والعراقية.

بعد سنتين، أي في 1959، سيعود مصطفى بارزاني إلى العراق، وتحديدا إلى البصرة، في استقبال حاشد من الأهالي، بعد سنة من الإطاحة بالنظام الملكي وإعلان الجمهورية في بلاد الرافدين.

في ذات العام تخرج جلال طالباني من كلية الحقوق، كان عليه أن يعمل محاميا، لكن الخدمة العسكرية أخذته فترة، إذ اُنتسب لكلية الاحتياط بالجيش العراقي، مدرسا بالكلية العسكرية، لكنه انتقل إلى سلاح آخر قضى فيه 6 أشهر، قبل أن يتوسط له زعميه "بارزاني" لدى عبد الكريم قاسم، رئيس أول حكومة في العصر الجمهوري، لإعفائه من باقي مدة الخدمة، ليعود محاميًا.

تلك فترة كانت حافلة بالتطورات التي حدثت في العلاقة بين النظام الجديد وبين الأكراد. ففي البداية أقر عبد الكريم قاسم الحقوق القومية للأكراد بنص دستوري، وأجاز صحيفة "خابات" المتحدثة باسم الحزب الديمقراطي الكردستاني، وأسس "مديرية الثقافة الكردية" بوزارة المعارف، وجرى تدريس اللغة الكردية على نطاق أوسع، بل إنه وضع في العلم العراقي ما يشير إلى الأكراد، وخصص بيتا لزعيمهم مصطفى بارزاني في بغداد كان يقيم فيه رئيس الحكومة في الملكية نوري السعيد.

تمكن جلال طالباني وحزبه من العمل السياسي بحرية، قبل حتى إقرار حزبهم رسميا سنة 1960، وافتتحوا مقرات وفروع عديدة لهم في المدن العراقية، وعُين عضوا بالحزب وزيرا للإسكان، وإن لم يكن بصفته الحزبية.

كل هذا فتح شهية طالباني والأكراد على آمال جديدة، لكن سرعان ما انتهى شهر العسل هذا، ودبت الخلافات بين مصطفى بارزاني وعبد الكريم قاسم، لكن "طالباني" وهو يروي مذكراته لم يفسر سبب هذا التحول.

لكن ما حدث أن "قاسم" مثلا تراجع عن الحقوق التي منحها للأكراد، وسلح عشائر كردية رجعية كانت تساند النظام الملكي البائد، إلى أن أقدم  على قصف قرى كردية بارزانية في عام 1961.

وفي شهادتهم على هذا التحول، يقول ساسة عراقيون لمحرر المذكرات  إن شهر العسل هذا انتهى سريعا بسبب مطالبة الأكراد بالحكم الذاتي، وهو أمر رفضته حكومة عبد الكريم قاسم رفضا مطلقا، إذ لم يكن على جدول أولوياتها آنذاك.

بدأت الحرب، واندلعت "الثورة الكردية" إذن، لكن أين كان جلال طالباني من كل هذا؟ إنه يسكت بالطبع، إذ ألقى خطابا ناريا ضد رئيس الحكومة خلال احتفالات عيد نوروز، قال فيه قاصدا عبد الكريم قاسم: "عندما كان الشعب يثور في العهد الملكي ضد الاستعمار كان هناك من يعمل تحت قيادة الجنرال البريطاني رنتن ضد الثورة الكردية".

هرب جلال طالباني سريعا من بغداد إلى السليمانية قبل إلقاء القبض عليه، وهناك سيحمل السلاح وييؤسس قاعدة ويصبح مقاتلا يقود مجموعة من "البيشمركة" ويخوض الثورة ضد الحكومة. يحكي: "كنا في هذه القاعدة 14 مقاتلا، بيننا 4 من المسحلين فقط و10 من دون سلاح، لكننا تدريجيا صرنا نتوسع عددا ونحصل على الأسلحة، إذ لم تكن عندنا الأموال لشراء الأسلحة، كما لم يكن هناك من يدعمنا ويرسل لنا الأسلحة وقت ذاك، بل كنا نستولي على مخافر الشرطة ونأخذ ما فيها من أسلحة، كما أنه كان لنا تنظيم في الشرطة، وكانوا يمدوننا بالأسلحة والعتاد.

ويكشف السياسي الشاب آنذاك عن أول عملية جرى تكليفه بها وكانت لتوفير المال للقوات المقاتلة، فيقول: "قمت بعملية الاستيلاء على أموال التبغ المرسلة من أربيل إلى كويسنجق، ونصبنا كمينا للقافلة التي تنقل الأموال، وسيطرنا عليها".

وفي ظروف لم يكن فيها إمكانية للاتصال بمصطفى بارزاني، توسع جلال طالباني بالقوات التي يقودها حتى وصلت إلى الآلاف، وكان القائد العسكري لمنطقتي كركوك والسليمانية.

خبرة ميدانية سرعان ما اكتسبها القائد العسكري جلال طالباني من واقع المعارك، إلى جانب ما تعلمه في كلية الضباط الاحتياط بالجيش العراقي، بخلاف أنه كما يحكي لمحرر المذكرات، كان يقرأ كتابا للزعيم الصيني الشيوعي ماوتسي تونج عن حرب العصابات.