تقرير دولي: قوات الدعم السريع تهدد بتمزيق السودان وسط تصاعد الانتهاكات في دارفور
في قلب المأساة السودانية المستمرة، تبرز قوات الدعم السريع كأحد أكثر الفاعلين إثارة للجدل، ليس فقط بسبب دورها العسكري، بل بسبب جذورها العنيفة التي تعود إلى ميليشيات الجنجويد سيئة السمعة التي تأسست وتوغلت وتغولت تحت حكم عمر اليشير.
هذه القوات، التي يتربع على قمة هرم السلطة في هيكلها البنائي اليوم محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي"، تحولت من ميليشيا قبلية إلى قوة شبه نظامية، ثم سرعان ما تحولت إلى جيش موازٍ ينازع الدولة السودانية الشرعية على السيادة، وفقًا لتقرير نشرته صحيفة الإندبندنت البريطانية.
وتشكلت قوات الدعم السريع رسميًا عام 2013، لكنها في الواقع امتداد مباشر للجنجويد الذين استخدمهم نظام عمر البشير لقمع التمرد في دارفور منذ عام 2003. ووفقًا للتقرير، فإن هذه القوات ارتكبت منذ نشأتها انتهاكات وفظائع واسعة النطاق، شملت القتل الجماعي، والضلوع في جرائم التهجير القسري، والاغتصاب، ما دفع المحكمة الجنائية الدولية إلى فتح تحقيقات في جرائم حرب محتملة.
ومع اندلاع الحرب في السودان عام 2023، تصاعد نفوذ الدعم السريع بشكل غير مسبوق، حيث سيطرت هذه الميليشيات على مناطق واسعة في دارفور والخرطوم، وبدأت في إنشاء سلطة موازية، وفقًا لما نشرته صحيفة خبرني الأردنية. ويُقدّر عدد أفرادها بنحو مئة ألف مقاتل، ينتشرون في المدن والقرى، ويُتهمون بارتكاب عمليات تطهير عرقي ممنهج، خاصة في مدينة الفاشر، التي شهدت مجازر مروعة خلال أكتوبر 2025.
ورغم إعادة هيكلتها ومنحها صفة رسمية، فإن قوات الدعم السريع لم تتخلّ عن أساليب الجنجويد. فبحسب تقرير نشرته صحيفة الأنباء الكويتية، فإن هذه القوات لا تزال تعتمد على الولاء القبلي، والتمويل الخارجي، والتجنيد غير النظامي، ما يجعلها أقرب إلى ميليشيا مسلحة منها إلى قوة وطنية. وقد اتهم الجيش السوداني هذه القوات بإعدام أكثر من 2000 مدني أعزل خلال يومين فقط من القتال في دارفور، وفقًا لصحيفة الإندبندنت.
ويحذر مراقبون من أن استمرار الدعم السريع في فرض سلطته بالقوة قد يؤدي إلى تفكك السودان إلى كيانات متنازعة، خاصة في ظل تصاعد النزعة الانفصالية في دارفور، والنزوح الجماعي نحو تشاد وجنوب السودان. كما أن التداخل الإقليمي في دعم أو احتواء هذه القوات يهدد بتحويل النزاع السوداني إلى حرب بالوكالة، تتداخل فيها مصالح بعض الأطراف الإقليمية والدولية ومجموعات قبلية مسلحة.
في المقابل، يواجه الجيش السوداني تحديات هيكلية وسياسية تمنعه من استعادة السيطرة الكاملة، وسط انقسامات داخلية، وضعف الدعم الدولي، وتراجع الثقة الشعبية. وبينما تتعثر جهود الوساطة الإفريقية والدولية، تتسارع وتيرة الانتهاكات، وتغيب أي مؤشرات على وقف إطلاق النار أو بدء عملية سياسية جادة.
هذا المشهد المعقد يضع السودان مجددًا أمام مفترق طرق تاريخي: إما تفكيك الدولة على يد ميليشيا ذات جذور قبلية، أو إعادة بناء وطن يتجاوز إرث الجنجويد والدعم السريع، ويؤسس لسلطة مدنية تحترم التنوع وتضمن العدالة. لكن الطريق إلى ذلك يبدو طويلًا، محفوفًا بالدماء، والتدخلات، والخراب.