الأحد 14 ديسمبر 2025 الموافق 23 جمادى الثانية 1447
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
عرب وعالم

بوتين يختبر "طوربيد يوم القيامة": استعراض نووي يثير قلقًا عالميًا

الرئيس نيوز

في خطوة أثارت قلقًا دوليًا واسعًا، أعلنت وزارة الدفاع الروسية في أواخر أكتوبر ٢٠٢٥ عن تنفيذ اختبار ناجح لطوربيد "بوسيدون" النووي، وهو سلاح غير تقليدي يعمل بالطاقة النووية ويُصنف ضمن فئة "أسلحة يوم القيامة". هذا الإعلان جاء بعد أسابيع من اختبار صاروخ "بوريفيستنيك" النووي، ما يعكس تصعيدًا روسيًا متسارعًا في مجال الردع الاستراتيجي، كما أكدت صحيفة "ذا صن" البريطانية.

 

ومن غواصة "بيلجورود" النووية في بحر بارنتس، تم الاختبار، وشمل تشغيل المحرك النووي للطوربيد وتوجيهه لمسافة طويلة تحت الماء. ووفقًا لتقرير نشرته شبكة "سي إن إن"، فإن الطوربيد قادر نظريًا على حمل رأس نووي بقوة تصل إلى ١٠٠ ميغاطن، ما يجعله أقوى بعشرات المرات من القنابل التي أُلقيت على هيروشيما وناغازاكي. ويُعتقد أن بوسيدون صُمم خصيصًا لتجاوز أنظمة الدفاع الغربية، عبر التحرك ببطء وعمق تحت سطح البحر، ثم تفجير نفسه قرب السواحل لإحداث موجات تسونامي مشعة.

 

بوسيدون: سلاح بحري أم رسالة سياسية؟

بحسب تحليل نشرته مجلة "فورين أفيرز"، فإن بوسيدون لا يُعد مجرد سلاح تقني متطور، بل أداة سياسية بامتياز. فإعلانه في هذا التوقيت، ومع تصاعد التوترات بين موسكو والغرب بشأن أوكرانيا، يهدف إلى إرسال رسالة مفادها أن روسيا لا تزال قادرة على فرض معادلات ردع جديدة، حتى في ظل العقوبات الغربية والضغوط الاقتصادية.

 

الرئيس فلاديمير بوتين، الذي ظهر في لقاء عبر التلفزيون الرسمي مع ضباط بحرية روس بعد الاختبار، وصف السلاح بأنه "لا يُقهر"، مؤكدًا أن "روسيا تمتلك ما لا يمتلكه أحد". وقد نقلت صحيفة "ذا غارديان" البريطانية عن مصادر استخباراتية غربية قولها إن موسكو تسعى من خلال هذه الاختبارات إلى "إعادة تشكيل قواعد اللعبة النووية"، عبر تطوير أسلحة يصعب رصدها أو اعتراضها.

 

ردود الفعل الغربية: صمت رسمي وقلق استراتيجي

 

رغم أن البيت الأبيض لم يصدر بيانًا رسميًا بشأن اختبار بوسيدون، فإن تقارير استخباراتية أمريكية، نقلتها صحيفة "واشنطن بوست"، أشارت إلى أن البنتاغون يراقب عن كثب تطورات البرنامج النووي الروسي، ويعتبر بوسيدون "تهديدًا غير تقليديًا" للبنية التحتية الساحلية في الولايات المتحدة وأوروبا.

 

وفي تقرير نشرته مجلة "نيوزويك"، حذر خبراء من أن بوسيدون قد يفتح الباب أمام سباق تسلح بحري نووي جديد، خاصة أن الولايات المتحدة لا تمتلك حاليًا سلاحًا مماثلًا. كما أشار التقرير إلى أن هذا النوع من الأسلحة يثير إشكاليات قانونية وأخلاقية، نظرًا لقدرته على إحداث دمار بيئي طويل الأمد، يتجاوز الأهداف العسكرية التقليدية.

تحول في العقيدة النووية الروسية

الاختبار الأخير يعكس تحولًا في العقيدة النووية الروسية، من الردع الاستراتيجي الكلاسيكي إلى ما يُعرف بـ"الردع غير المتكافئ"، حيث تسعى موسكو إلى تطوير أسلحة نوعية تُربك حسابات الخصم. ووفقًا لتحليل نشره موقع "ديفينس نيوز"، فإن بوسيدون يُعد جزءًا من "الجيل الخامس" من الأسلحة النووية الروسية، التي تشمل أيضًا صواريخ فرط صوتية مثل "أفانغارد" و"تسيركون".

 

ويضيف التقرير أن روسيا تراهن على هذه الأسلحة لتعويض تفوق الناتو في القدرات التقليدية، ولإرسال إشارات ردع مزدوجة: الأولى للغرب، والثانية لحلفاء موسكو في آسيا والشرق الأوسط، مفادها أن الكرملين لا يزال لاعبًا مركزيًا في معادلة الردع العالمي.

 

مرحلة جديدة من الردع النووي؟

العديد من المحللين يرون أن اختبار بوسيدون ليس مجرد استعراض عضلات، بل بداية لمرحلة جديدة من سباق التسلح النووي، تتسم بالغموض واللامركزية. فبينما كانت الحرب الباردة قائمة على توازن الرعب بين صواريخ باليستية عابرة للقارات، فإن الأسلحة الجديدة مثل بوسيدون تفتح جبهات جديدة في أعماق البحار، يصعب التنبؤ بها أو احتواؤها.

 

وفي هذا السياق، نقلت شبكة "إن بي سي نيوز" عن مسؤولين في وزارة الدفاع الأمريكية قولهم إنهم يدرسون تطوير أنظمة رصد بحرية جديدة، قادرة على تعقب الطوربيدات النووية بعيدة المدى، في محاولة لسد الفجوة التكنولوجية مع روسيا.

بين الردع والتهديد

يعكس اختبار بوسيدون رغبة روسية واضحة في إعادة تشكيل ميزان القوى العالمي، عبر أدوات غير تقليدية. وبينما تلتزم العواصم الغربية بالصمت الحذر، تتزايد المخاوف من أن تؤدي هذه الاختبارات إلى زعزعة الاستقرار النووي العالمي، وفتح الباب أمام سباق تسلح جديد، لا تحكمه قواعد الحرب الباردة، بل منطق "الردع المستند إلى الغموض".