الجمعة 19 أبريل 2024 الموافق 10 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

بالصور| روض الفرج من "تروماي" 1903 إلى "محور" 2019: في الأصل كان النيل

الرئيس نيوز

عندما فكر الخديو إسماعيل في تخطيط مدينة القاهرة على غرار العواصم الأوروبية الكبرى، فيما عُرف بـ"القاهرة الخديوية"، أصبح لدنيا لأول مرة منطقة باسم "روض الفرج".
المكان إذن وُلد من رحم ما يمكن أن نسميه "عملية قيصرية" لإنشاء القاهرة الحديثة، عبر التدخل الهندسي لتغيير مجرى النيل في منتصف القرن التاسع عشر.
لكن روض الفرج "الوليدة" آنذاك، بلا مباني أو طرق، ستصبح بعد ما يزيد عن 100 سنة، موقعًا لمشروع طرق عملاق يُنشد ربط الشمال بالشرق، هو "محور روض الفرج" الذي افتتحه الرئيس عبد الفتاح السيسي، اليوم.
هنا نسرد قصة تطور روض الفرج مع الطرق والمواصلات، من شوارع التروماي إلى المحور والكوبري الملجم.
في أواخر عام 1863، بدأ مشروع تخطيط القاهرة بأمر الخديو إسماعيل، وكانت من أساسيات المشروع تغيير مجرى النيل القديم الذي كان يمر بمناطق بولاق الدكرور والدقي وإمبابة، ما نتج عنه انحسار المياه أكثر فأكثر عن المناطق الواقعة على الضفة الشرقية للنهر، وهنا ظهرت أراضي "طرح البحر"، سميت لاحقا روض الفرج.
ظلت المنطقة أراض زراعية لسنوات طويلة، يقطنها عدد محدود من السكان الذي يشتغلون في الأرض أو تجارة بسيطة مثل تفريخ البيض لإنتاج الدواجن.
كانت روض الفرج هي الجار "الريفي" لمنطقة شبرا، التي اُعتبرت وقتها بمثابة "منتجعا ملكيا"، بعد أن بنى فيها الوالي محمد علي قصرا شهيرا باسمه، وشق إليه شارع طويل هو "شارع شبرا" الحالي، وزينه بالأشجار على جانبيه.
لكن النقلة المدنية الحقيقية لروض الفرج جاءت بعد سنوات قليلة من مد خطوط الترام في القاهرة. ففي عام 1903 دخل الترام المنطقة، كوسيلة مواصلات حديثة ستترك أثرها على الحياة الاجتماعية والاقتصادية.
وينقل كتاب "شبرا.. إسكندرية صغيرة في القاهرة" لأستاذ التاريخ، الدكتور محمد عفيفي، وصف مندوب جريدة "المؤيد" في شبرا لذلك الحدث، وفقا لكتاب محمد سيد كيلاني "ترام القاهرة".
يقول محرر الجريدة: "أحسنت شركة التراموي التدبير بإنشاء هذا الخط لتسهيل النقلة على كل من له علاقة عمل بتجارة الساحل (روض الفرج) التي هي من أوسع المتاجر والصقها بضروريات الحياة في مصر القاهرة".
لاحظ هنا التفات المحرر إلى دور الطرق ووسائل المواصلات في حركة التجارة، لكن دعونا نكمل كلامه وسنعود لهذه النقطة بعد ذلك.
يقول: "وقد اتفق لنا أثناء مرورنا ذهابا في طريق شبرا أن شاهدنا جماعة من اليونان دائبين على العمل في تلك الجهات الخلوية لإنشاء المتنزهات والقهاوي. فقلنا هكذا تكون الاختراعات رائدة العمران في كل مكان".
هذا التطور يؤكده رصد محمد رمزي، مؤلف "القاموس الجغرافي"، عندما تحدث في بداية الأربعينيات عن "أثر مد خطوط الترام على تحول البساتين المطلة على طول شارعي شبرا وروض الفرج إلى أراضي بناء، حيث تم تقسيمها إلى قطع وبيعها للناس".
كان تعداد سكان روض الفرج آنذاك آلاف معدودة، لكن المنطقة ستدخل حيز العمران بعد دخول الترام، وكذلك بعد إنشاء سوق الغلال الشهير هناك.
في العام 1932، كما يحكي كتاب الدكتور "عفيفي"، قررت مصلحة التجارية المصرية إنشاء "ساحل الغلال" في روض الفرج، والذي كان بمثابة "ميناء القاهرة الشرقي لرسو المراكب المحملة بالغلال والمسلي والبلح والعسل والبصل والماشية والخضر والفواكه".
هكذا تحولت المنطقة إلى سوق كبير منظم، يخدمه الميناء الصغير على النيل، ويقبل عليه الناس بالترام.
بعد سنوات أخرى، في العام 1947، وهي السنة التي بلغ فيها تعداد روض الفرج نحو 193 ألف نسمة، أقامت الحكومة سوق جملة للخضر والفاكهة.
ويسجل محمد عفيفي: "كانت العمارة الخارجية لهذه السوق رائعة. وترتب على إقامة السوق هجرة العديد من الريف المصري، لا سيما من الصعيد. وتسيدت بعض العائلات السوق، ودخلت هذه العائلات مجال السياسة إما بتأييد بعض المرشحين بأصوات أهل السوق، أو بنزول بعض كبار تجار السوق إلى انتخابات البرلمان".
بعد 23 يوليو 1952، نفذت الثورة مشروع كورنيش النيل، وهنا ستكون روج الفرج نقطة أساسية على طريق كبير يبدأ من نقطة مر باسوس الواقعة في أول طريق مصر الإسكندرية الزراعي فترعة الإسماعيلة قبل إنشاء كوبري شبرا الخيمة، فروض الفرج فشبرا وصولا إلى كوبري أبو العلا وكوبري قصر النيل فوسط المدينة.
في العام 1960، كان عدد سكان روض الفرج يزيد عن 265 ألف نسمة، وهي الفترة التي شهدت توسيع شوارع شبرا وروض الفرج ونقل الترام إلى وسط الشوارع لتسهيل حركة المرور.
وفي التسعينيات، بدأت عملية تفكيك ترام القاهرة خطا تلو الآخر، حتى عرفت روض الفرج مترو الأنفاق عام 1996 مع المرحلة الأولى من الخط الثاني، والذي امتد من شبرا الخيمة إلى رمسيس.
الآن، يرتبط اسم روض الفرج بما هو أكثر من طريق داخلي بالمنطقة، بمحور طرق عملاق بامتداد 35 كيلومترا، يسهل الانتقال بين شمال وشرق الجمهورية، من شبرا إلى طريق مصر الإسكندرية الصحراوي، ومن ثم إلى مطروح، دون الوقوع في المتاهة المرورية بالقاهرة المزدحمة، وللتخفيف عنها.
وعلى مقربة، عند منطقة المظلات، هناك ضمن المشروع كوبري ملجم، هو أعرض كوبري معلق في العالم، بحسب أرقام موسوعة "جينيس".. كوبري على نفس النيل الذي كان سببا في ولاده روض الفرج قبل نحو قرن ونصف.