الخميس 28 مارس 2024 الموافق 18 رمضان 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

"كنت سفيرًا لدى السلطان" (4-4): كيف سيُضطر أردوغان للعودة إلى سياسته "البراجماتية" تجاه مصر؟

الرئيس نيوز

مصر تعمدت ترك الباب مواربًا لتركيا.. وحجم التبادل التجاري انخفض 10% حاليا فقط عن 2012

السيسي لم يتعرض لأنقرة إعلاميًا منذ 30 يونيو.. والرئيس التركي تعلم الدرس جيدا من محاولة انقلاب 2016

اتفاقيات القاهرة مع اليونان وقبرص أضرت بمصالح أنقرة.. والأخيرة أدركت أن سياستها الحالية "خاسرة"

الإعلام التركي كان يتبنى رأي الإخوان فقط.. و"الأناضول" نشرت صور 4 أطفال سوريين على أنهم "ضحايا الحرس الجمهوري"

 خلال أربع عهود متتالية ومختلفة، من بينها فترتين انتقاليتين، تباينت العلاقة بين النظام الحاكم في مصر وبين تركيا، من التحفظ إلى الإعجاب إلى التحالف ثم إلى القطيعة.

طوال تلك الفترات، من 2010 إلى 2013 ثم إلى الآن، كان رجب طيب أردوغان يسيطر على السلطة في بلاد العثمانيين، بينما توالت على القاهرة أنظمة مختلفة، تمثلت في الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك في سنته الأخيرة،ثم الفترة الانتقالية بقيادة المجلس العسكري، ثم نظام حكم الإخوان المسلمين، ثم فترة انتقالية ثانية برئاسة المستشار عدلي منصور، أعقبها وضع دستور وانتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسي.

تفاصيل تلك العلاقة التي انتهت بقطيعة رسمية حاليًا يكشفها الكتاب المهم "كنت سفيرًا لدى السطان"، للسفير عبد الرحمن صلاح، وهو آخر سفير للقاهرة لدى تركيا، قبل تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي إلى درجة القائم بالأعمال في عام 2013.

شغل "صلاح" منصبه سفيرًا لمصر لدى تركيا في مطلع أبريل 2010، بأوراق اعتماد ممهورة بتوقيع الرئيس الأسبق حسني مبارك، وظل في منصبه شاهدًا على تحولات ما بعد ذلك خلال فترات المشير محمد حسين طنطاوي ثم محمد مرسي ثم المستشار عدلي منصور.

"الرئيس نيوز" تعرض على حلقات مذكرات آخر سفير لمصر لدى تركيا، والصادر عن دار نهضة مصر، مطلع العام الجاري.

أيام مشتعلة.. مبادرة لم تكتمل بزيارة جول للقاهرة قبل فض "رابعة"

نصل الآن إلى الأيام المشتعلة من العلاقات المصرية التركية، وتحديدا في أغسطس 2013، إبان فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة الذين أقامتهما جماعة الإخوان الإرهابية بعد عزل محمد مرسي.

قبل ذلك بأيام قليلة، كما يحكي السفير عبد الرحمن صلاح، فإنه كان في إجازة بالقاهرة، وصدرت له تعليمات من وزير الخارجية المصري الجديد وقتها نبيل فهمي بعدم التحدث لوسائل الإعلام، "بحجة أن ذلك يزيد من الضغوط عليه لاتخاذ إجراء ضد تركيا خلافا لاتفاقنا على محاولة تجنب ذلك".

ويسجل "صلاح" هذه الملاحظة، التي قد تظهر عدم رضاه عن طريقة تعامل نبيل فهمي: "لا شك أن ظهوري لساعات طوال على شاشات التليفزيون وعلى الصفحات الأولى للجرائد قد أثار حفيظة الوزير الجديد الذي لم يكن بعد قد حظى بنفس المساحة الإعلامية".

ويروي عبد الرحمن صلاح وقائع ما كان فاعلا فيه أو شاهدا عليه قبيل فض الاعتصامين، يقول: "كنت أمضي وأسرتي إجازة قصيرة بمناسبة عيد الفطر في القاهرة، واتصل بي وزير الخارجية المصري قبيل العيد ليطلب مني العودة إلى سفارتي في أنقرة بعد العيد، أي في الأسبوع الثاني من أغسطس".

هنا فكر السفير في مبادرة ستكون الأخيرة، ولن تكتمل، لمحاولة معالجة اشتعال الموقف بين البلدين: "طرحت عليه وقتها فكرة أن يقوم الرئيس التركي عبد الله جول بزيارة للقاهرة يلتقي خلالها بالمسئولين المصريين، وببعض من ممثلي الإخوان المسلمين  الذين لم يكونوا قد تم القبض عليهم وقتها، أو هربوا من البلاد، وهي الفكرة التي طلب مني مستشار الرئيس التركي لشئون الشرق الأوسط وصديقي العزيز أرشد هورموزلو أن أستطلع إمكانية تحقيقها".

وعد نبيل فهمي سفيره بدراسة الموضوع واستطلاع الرأي حول إمكانية زيارة "جول" القاهرة والرد عليه بعد العيد، لكن "في صباح يوم 14 أغسطس استيقظت الساعة السادسة صباحا على صوت رسالة تليفونية sms من نبيل فهمي قرأت نصها "عبد الرحمن، اصرف النظر عن موضوع زيارة جول".

عندما عاد عبد الرحمن صلاح إلى تركيا، رصد المقدمات الأولى للحملة الإعلامية التركية ضد مصر، وكيف كان التليفزيون الرسمي يعرض وجهة النظر الموالية للإخوان فقط.

لكننا نكتشف أن هذا قد بدأ مبكرًا، قبل أحداث الفض، نقرأ: "كنت قد سبق أن شكوت من ذلك التحيز المغرض لرئيس الجمهورية التركي عبد الله جول في لقائي معه في إسطنبول يوم 12 يوليو 2013، وقد وعدني بمعالجة الأمر، وطلب مني مستشاره موافاته بمثال على الأنباء الكاذبة التي تنشرها وكالة "الأناضول" للأنباء فوافيته بصور نشرتها الوكالة لأربعة أطفال ادعت أنهم قتلوا في أحداث محاولات اقتحام الإخوان نادي الحرس الجمهوري يوم 6 يوليو اعتقادا منهم أن الرئيس السابق محمد مرسي ما زال داخله. وقد ثبت أن صورة أولئك الأطفال قد سبق نشرها على أنهم ضحايا نظام بشار الأسد في سوريا".

يستكمل آخر سفير مصر لدى تركيا: "وعندما طلب مكتب الرئيس التركي من وكالة الأناضول التحقيق في الموضوع، نفى المسئولون هناك نشر هذه الصور التي اختفت من موقع الوكالة على الإنترنت".

وفي سياق متصل، يكشف "صلاح" أن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان كان يدعو سفراء بعض الدول مرارا إلى اجتماعات يؤنبهم فيها على عدم التدخل في الشأن المصري، ويدعوهم لفرض عقوبات على مصر، أو دعوة مجلس الأمن لفعل ذلك.

ويفسر السفير المتقاعد إصرار أردوغان على موقفه من معارضة النظام الحاكم في مصر، بأنه "كان يود الاحتفاظ بتماسك تأييد الكتلة التصويتية للإسلاميين في بلاده- والتي تصل إلى نصف عدد الناخبين الأتراك"، وذلك في انتخابات 2018.

قراءة في المستقبل.. أردوغان سيعود مضطرًا إلى "براجميته"

في الفصل الأخير من الكتاب، يقدم السفير صلاح "قراءة في مستقبل العلاقات بين مصر وتركيا"، ويتوصل إلى توقعات بأن السنوات المقبلة ستشهد مراجعة أنقرة لسياستها تجاه القاهرة. ويشير "صلاح" إلى أن مصر حافظت على الحد الأدنى من العلاقات، فيما يخص الجانب التجاري.

ويسجل أنه رغم تخفيض التمثيل الدبلوماسي وإلغاء أي تعاون عسكري وسياسي، فإنه قد "بقي حجم التبادل التجاري بين البلدين عام 2017 عند مستوى أربعة مليارات ونصف مليار دولار منها ملياران ونصف مليار دولار قيمة صادرات تركيا لمصر، وهو يمثل انخفاضا بنسبة حوالي 10 % فقط عما وصل إليه الميزان التجاري بين البلدين عام 2012.

واستمرت المصانع التركية العاملة في مصر في الإنتاج، بل وفي التوسع، ولم يتم التضييق عليها، وبدأ عدد السائحين الأتراك في التزايد بعد أن كان انخفض للنصف عام 2013 فأصبح يرتفع الآن بنسبة 25% سنويا ليصل عام 2017 إلى 40 ألف سائح".

ويلفت المؤلف إلى "حرص الرئيس السيسي وكل معاونيه طوال السنوات الخمس الماضية على الامتناع عن التعرض لتركيا بشكل سلبي إعلاميا، وترك الباب مفتوحا أمام أردوغان لمراجعة سياساته"، منوها إلى أن الرئيس التركي امتنع أيضا  عن التعريض السلبي بمصر إعلاميا من بعد محاولة الانقلاب العسكري الفاشل عام 2016.

وينقل آخر سفير لمصر لدى تركيا أن بعض أساتذة العلوم السياسية الأتراك الذين ما زالوا على تواصل معه يتوقعون أن "أردوغان سوف يراجع العديد من سياساته المحلية والإقليمية والدولية، ومن بينها علاقته مع مصر، وتحالفه مع منظمات الإسلام السياسي – وعلى رأسها الإخوان المسلمون – بعد أن ثبت فشلها في الحكم وفي المواجهة السياسية التي خسرت فيها التأييد الشعبي خاصة في مصر".

وحسب متابعة "صلاح" للشأن التركي، فإنه يلفت إلى أن بعض الأكاديميين الأتراك يدعمون ذلك التوجه "عن طريق الإشارة إلى الخسارة الإقليمية والدولية التي لحقت بتركيا بسبب تغليب الاعتبارات السياسية المحلية، والحفاظ على تماسك الكتلة التصويتية الإسلامية على الاعتبارات الاستراتيجية، ويدللون على ذلك بتحول مواقف دول الخليج من تركيا بعد وقوفها بجانب قطر، واتجاه مصر لعقد صفقات واتفاقات تعاون عسكري ولاستغلال الغاز في شرق البحر المتوسط بالتعاون مع اليونان وقبرص واستبعاد تركيا وبترحيب وتعاون من إسرائيل".

ويواصل السفير السابق تحليله: "ولهذا يؤكد عدد متزايد من الأكاديميين أن أردوغان واع بكل هذه الاعتبارات، وأنه سيعود إلى برجماتيته، لأنه يرغب في الوصول إلى العيد المئوي لإنشاء الجمهورية التركية عام 1923 وهو على رأس الاقتصاد السابع أو الثامن في العالم والقوى العسكرية الأولى في أوروبا، وأن يعود لكي يكون همزة الوصل بين الغرب والإسلام السياسي، وأنه مدرك الآن أن سياساته الراهنة لن تحقق له كل الأهداف".

وأخيرا يختم "صلاح" الذين لا يتمنى استمرار القطيعة بين "البلدين الذين يضمان معا نصف سكان منطقة الشرق الأوسط وأكبر جيوشها وقوتها الناعمة"، قائلا: "إذا ما صدق تلك التحليلات والتنبؤات، أثق بأن مصر سوف ترحب بمثل هذه المراجعة التركية".