الثلاثاء 16 أبريل 2024 الموافق 07 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

"كنت سفيرًا لدى السلطان"(2): عربات مدرعة وجنود ملثمون لحراسة أردوغان في القاهرة

الرئيس نيوز

 

ـ وزارة الدفاع رفضت دخولهم مقرها.. وحرس أردوغان أغلق صالة كبار الزوار في مطار القاهرة أمام المصريين

ـ حرس أردوغان منعوا وزير الاتصالات وزوجته من دخول اجتماعه مع عصام شرف 2011.. وفايزة أبو النجا صرخت في وجهه بعد احتجازها خارج القاعة

ـ حرس رئيس الوزراء التركي حمل هشام قنديل عنوة خارج "حمام أردوغان".. والأخير طلب قطعة أرض على النيل

ـ الأتراك نصحوا الإخوان باختيار أعضاء مجلس القضاء الأعلى بالانتخاب السياسي.. والجماعة خشيت رد الفعل

ـ عصام الحداد رفض حضور السفير المصري لقاءه بأردوغان في إسطنبول.. و"صلاح" قال لـ"الطهطاوي": "فهِّم الجماعة أصول العمل السياسي"

 

خلال أربع عهود متتالية ومختلفة، من بينها فترتان انتقاليتان، تباينت العلاقة بين النظام الحاكم في مصر وبين تركيا، من التحفظ إلى الإعجاب إلى التحالف ثم إلى القطيعة.

طوال تلك الفترات، من 2010 إلى 2013 (ثم إلى الآن) كان رجب طيب أردوغان يسيطر على السلطة في بلاد العثمانيين، بينما توالت على القاهرة أنظمة مختلفة، تمثلث في الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك (في سنته الأخيرة) ثم الفترة الانتقالية بقيادة المجلس العسكري، ثم نظام حكم الإخوان المسلمين، ثم فترة انتقالية ثانية برئاسة المستشار عدلي منصور، أعقبها وضع دستور وانتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسي.

تفاصيل تلك العلاقة التي انتهت بقطيعة رسمية حاليًا يكشفها الكتاب المهم "كنت سفيرًا لدى السطان"، للسفير عبد الرحمن صلاح، وهو آخر سفير للقاهرة لدى تركيا، قبل تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي إلى درجة القائم بالأعمال في عام 2013.

شغل "صلاح" منصبه سفيرًا لمصر لدى تركيا في مطلع أبريل 2010، بأوراق اعتماد ممهورة بتوقيع الرئيس الأسبق حسني مبارك، وظل في منصبه شاهدًا على تحولات ما بعد ذلك خلال فترات المشير محمد حسين طنطاوي ثم محمد مرسي ثم المستشار عدلي منصور.

"الرئيس نيوز" تعرض على حلقات مذكرات آخر سفير لمصر لدى تركيا، والصادر عن دار نهضة مصر، مطلع العام الجاري.

 

أردوغان في القاهرة بجيش مصغر

في فترة تجلى فيها انكشاف ضعف مؤسسات الدولة بعد سقوط حكم الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، زار رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان مصر في سبتمبر 2011، وحدث الكثير مما يدل على غرور القوة الذي كان يعيش فيه الرجل الحالم بأوهام السلطنة العثمانية.

يحكي السفير عبد الرحمن صلاح في كتابه: "بناء على توصية من سفيرهم، وبترتيب مع السلطات المصرية تم السماح بنشر عربات عسكرية مدرعة تركية بها جنود أتراك ملثمون يحملون رشاشات لمرافقة موكب أردوغان في كل تحركاته ما عدا داخل وزارة الدفاع المصرية، وشملت حراسة أردوغان الشخصية حوالي عشرين حارساً بلباس مدني".

يسرد آخر سفير لمصر لدى تركيا: "فوجئت وزوجتي حين وصلنا مطار القاهرة لاستقبال طائرة الوزراء الأتراك ورجال الأعمال المرافقين لأردوغان قبل وصوله بساعتين أن تلك الطائرة هبط منها أولئك الحرس المدنيون، وقاموا بتفتيش صالة كبار الزوار المخصصة لرؤساء الدول بأنفسهم، وبدءوا في منع أي مصري من دخول الصالة إلا بإشارة من أحد أعضاء السفارة التركية في القاهرة".

وفقًا لما يحكيه الكتاب، فإن حرس أردوغان استمر في منع كل المصريين من دخول القاعات التي يدخلها أردوغان، بمن فيهم وزير الاتصالات المصري الذي كان يرافق هو وزوجته أردوغان وزوجته، مما اضطر الوزير المصري إلى أن يصرخ في دار الأوبرا طالباً مساعدتي، فطلبت من الحرس التركي – الذي يعرفني – أن يسمحوا بدخوله، فما كان منه وزوجته إلا أن توجها إلى زوجة أردوغان – التي كانت تجلس في الصف الأول انتظاراً لبدء كلمة زوجها السلطان – وألقيا على أذنها محاضرة في أصول احترام البلاد التي يزورونها.

في اليوم التالي، "جاء دور الوزيرة فايزة أبو النجا لتلقي نفس المحاضرة على أردوغان نفسه حين منعها حراس أردوغان من دخول صالون الاجتماعات في مصر في مجلس الوزراء المصري حيث يجتمع أردوغان ووفده مع رئيس الوزراء المصري عصام شرف والوفد المصري الذي كانت فايزة أهم أعضائه، ومع ذلك لم تتمكن من الدخول، حيث اشتبك الحرس المصري مع الأتراك.

كان مشهدًا غريبًا وقتها، إذن كان "المجتمعون مع رئيسي الوزراء يسمعون صوت العراك بين حراس الأمن قبل أن تدخل فايزة منكوشة الشعر وفائرة الغضب لكي تتوجه لأردوغان وبالإنجليزية التي لا يفقه منها حرفاً وتطلب منه الاعتذار، فما كان من أردوغان إلا أن طلب من المسئولين المصريين احتمال حراسه الذين يحرصون على حياته".

هنا اقترح السفير أن يطلب من الحرس من الجانبين التزام الهدوء والاعتذار لبعضهما البعض لكي يمكنهم بدء المباحثات: "نظرت لي فايزة أبو النجا غاضبة وكأنها كانت تنتظر فعلاً من السلطان أردوغان أن يقدم لعصام شرف اعتذاراً".

وكما يسجل الكتاب فإن "أبو النجا" حتى مغادرتها وظيفتها لم توافق على أي برنامج تعاون مع الأتراك، ليس فقط بسبب هذه الحادثة، لكن السفير يفسر ذلك بأنها "تنتمي إلى آخر بقايا مبارك- أبو الغيط- عمر سليمان المتحفظة على التعاون مع تركيا- أردوغان، وأن عدم تأييدها لتوريث مبارك الحكم لابنه كان هو رصيدها الأكبر بعد يناير، بالإضافة إلى خبرتها الطويلة كسفيرة ووزيرة للتعاون الدولي".

ويلفت السفير إلى أن "سلوك حرس أردوغان العدواني إزاء الحرس وقوات الأمن في الدول التي يزورها أردوغان يلقى استياء كل مضيفي أردوغان في كل أنحاء العالم".

لكن الموقف الأكثر فجاجة من هؤلاء الحرس حدث مع هشام قنديل، رئيس وزراء الإخوان، في نوفمبر 2012، عقب مباحثات في القاهرة بين الوفدين المصري والتركي، بالقاهرة.

يحكي السفير: "بعد العشاء توجه قنديل لحمام قريب من قاعة العشاء وكنت في طريقي بعده لنفس الناحية، وفوجئت بحراس أردوغان يدفعون قنديل "المسكين" خارج الحمام، وحين حاول مقاومتهم حمله اثنان منهم من ذراعيه ودفعاه خارجًا".

ويستكمل:"بعد أن خرج أردوغان من الحمام مرتاحاً ومبتسماً توجه إلى قنديل واحتضنه وقال له بالعربية: عفوًا. وشككت للحظة أن قنديل الذي كان متأثراً ربما كان يبكي".

 

أردوغان يطلب قطعة أرض على النيل

موقف آخر يبرز غرور أردوغان في نفس الزيارة، فعندما كان في طريقه إلى المطار لمغادرة القاهرة بعد مباحثات مع مرسي، "سأل سفيره بوتصالي بصوت عالٍ لكي نسمعه عما إذا كان وجد بيتاً جديداً على ضفاف النيل ملائماً ويصلح لأن ينقل إليه سفارته من المبنى المتواضع الذي تشغله في باب اللوق، ولتكون مثل السفارة المصرية التي تشغل مساحة كبيرة على شارع أتاتورك - وهو أهم شوارع أنقرة - وتتوسط سفارات الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا".

أجاب السفير التركي بالنفي، فنظر أردوغان إلى السفير المصري وقال له من خلال مترجمه: "إن الصومال أهدت تركيا عشرين فداناً في أهم بقعة في مقديشيو لتقيم عليها سفارتها هناك، وإن مصر يجب أن تحذو حذوها بإهداء تركيا قطعة أرض كبيرة على النيل".

كان وزير الشباب الإخواني أسامة ياسين مرافقًا لـ"صلاح" في توديع أردوغان، لكنه لم يفهم "الإهانة" التي وجهها السلطان، فرد السفير المصري بــ"أدب مصطنع وأنا أتميز غيظا" أن رئيس الوزراء التركي لا بد أن يدرك أن قيمة الأرض والعقار في القاهرة تختلف اختلافاً كبيراً عن مقديشيو، لأسباب تاريخية وسياسية واقتصادية، إلا ان الحكومة المصرية سوف يسعدها أن تمنح السفير التركي رخصة بناء على أي قطعة أرض يستطيع أن يشتريها من أصحابها في القاهرة، مثلما فعلت مصر في أنقرة قبل حوالي 80 عاماً، وقبل أكثر من 100 عام في إسطنبول".

 

الأتراك اقترحوا على الإخوان اختيار أعضاء "الأعلى للقضاء" بالانتخاب السياسي

في المقابل، ومنذ وصول "الإخوان" إلى الحكم، توالت الوفود من الجماعة على تركيا، لطلب المشورة أو المساعدة.

ويقول السفير "صلاح" أن المسئولين الأتراك احتاجوا ربما إلى عام كامل بعد ذلك لاكتشاف طبيعة الدولة ومؤسساتها في مصر واختلافها عن تركيا، ويضرب مثالاً على ذلك قائلا بأنه حين وصل الإخوان للحكم وتوالى وصول وفودهم إلى إسطنبول وأنقرة لطلب المشورة "استمعوا واستمعت معهم – في الاجتماعات القليلة التي سمحوا لي فيها بحضورها معهم، منها – مثلاً – أن يتم اختيار المجلس الأعلى للقضاء بالانتخاب السياسي من ضمن قيادات النقابات المهنية والجامعات، وكان رد الإخوان أن ذلك يمكن أن يعجّل من ردود الفعل السلبية ضدهم".

لكن الزيارة التي ظهرت فيها الإدارة العشوائية للإخوان بلا أي قواعد دبلوماسية، كانت عندما قرر عصام الحداد، مستشار مرسي للشئون الخارجية، السفر إلى إسطنبول للقاء أردوغان، منفردًا، دون أي ترتيبات مع السفارة المصرية في أنقرة.

يقول السفير "صلاح": "اتصلت بوزير الخارجية محمد عمرو لإبلاغه بزيارة الحداد المعتزمة، وما أعددته للتحضير لها، وما أتوقعه منها، وفوجئت به يقول لي إن كل برقياتي ومذكراتي يتم إرسالها للرئاسة، ولعصام الحداد شخصياً، ولكنه يرجوني ألا أتوجه إلى اسطنبول، وألا أحضر الاجتماعات".

ويتابع: :شرحت للوزير المخضرم دبلوماسياً أن الجانب التركي سوف يشمل كل المختصين من كل الوزارات، وأن الاجتماع ليس مغلقاً أو كما نقول One one one, ولا يعقل أن يكون مستشار الرئيس المصري - وهو طبيب أصلاً - منفرداً دون وجود السفير المصري معه على الأقل لمتابعة ما سيتم الاتفاق عليه، فما كان من الوزير المصري إلا أن أبلغني أن هذه هي التعليمات".

اتصل السفير "صلاح" بالسفير محمد رفاعة الطهطاوي، رئيس ديوان رئيس الجمهورية: "وكنت في غاية الغضب، وقلت له صراحة إنه يجب أن يشرح "للجماعة" قواعد العمل في مجال السياسة الخارجية وإلا ستخسر بلادنا كثيرًا، فوعدني بالتحدث للحداد والرد عليّ، وسرعان ما جاءني رده أن الحداد يصر على أن يحضر الاجتماع وحده".