السبت 20 أبريل 2024 الموافق 11 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

"كنت سفيراً لدى السلطان" (1): المشير طنطاوي رفض "روشتة أردوغان" للتطبيع مع تركيا

الرئيس نيوز


·      مسئول في حزب "العدالة والتنمية" لسفير مصري: "يجب أن تحمد الله أننا لم نقتحم سفارتك"!

·      الأتراك تقمصوا دور "الأخ الأكبر" بعد 25 يناير ليقدموا نصائحهم للقادة المصريين في كيفية "إدارة المرحلة"

 

يكشف كتاب "كنت سفيرًا لدى السلطان"، للسفير عبد الرحمن صلاح، عن أسرار جديدة في ملف العلاقات المصرية- التركية قبل وبعد ثورة 25 يناير 2011، منها أن الأتراك اعترفوا بتحريك مظاهرات ضد مصر في أنقرة واسطنبول بسبب "معبر رفح"، وأن مسئولا في حزب "العدالة والتنمية" الحاكم قال لسفير مصري: "يجب أن تحمد الله أننا لم نقتحم سفارتك"!

والسفير عبد الرحمن صلاح هو آخر سفير للقاهرة لدى تركيا، قبل تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي إلى درجة "قائم بالأعمال" عام  2013. شغل "صلاح" منصبه سفيرًا لمصر لدى تركيا في مطلع أبريل 2010، بأوراق اعتماد ممهورة بتوقيع الرئيس الأسبق حسني مبارك، وظل في منصبه شاهدًا على التحولات  الكبرى في العلاقات بين البلدين بعد ذلك، خلال فترات المشير محمد حسين طنطاوي، ثم محمد مرسي ،ثم المستشار عدلي منصور.

"الرئيس نيوز" يعرض، على حلقات، مذكرات آخر سفير لمصر لدى تركيا، والصادر عن دار "نهضة مصر" مطلع هذا العام.

وإذا بدأنا بالسنة التي تقع في آخر عهد مبارك، فإن الكتاب يكشف عن  هوامش مهمة من العلاقة آنذاك، ويبدأ المؤلف من نقطة مشتركة بشكل ما بين النظامين المصري والتركي في ذلك الوقت، وهي معبر رفح.

يقول "صلاح" "كانت سياسة مبارك وقتها هي تضييق استخدام معبر رفح البري في تمرير المساعدات الإنسانية للقطاع، خوفا من أن تتهم إسرائيل مصر بتهريب أسلحة داخل تلك المساعدات، كما أن مبارك - وفق المؤلف- كان "يستخدم المعبر وسيل للضغط على حماس من أجل إخضاعها، وكفّ شرها عن مصر، ولدفعها إلى التصالح مع حركة فتح".

في ذلك الوقت، كانت المنظمات التركية الإسلامية تنظم مسيرات احتجاجية أمام السفارة المصرية في أنقرة والقنصلية في إسطنبول، على خلفية مسألة غلق أو فتح معبر رفح.

وحسب ما ينقله السفير عن سلفه في تركيا السفير د.  علاء الحديدي، فإنه عندما سأل أحد قادة حزب" العدالة والتنمية" الحاكم هناك: من يقف وراء تلك المظاهرات، وهل للحزب الحاكم دور في تحريكها؟ أجابه المسئول التركي الحزبي بالحرف الواحد: "يجب أن تحمد الله أننا لم نقتحم سفارتك"!

كان التحفظ وعدم الثقة يسودان علاقة مبارك مع إردوغان، وتجسد ذلك في عدم حرص وزير الخارجية المصري وقتها أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية حاليا، على حضور المؤتمرات الإقليمية والدولية التي كانت تقام في تركيا بحضور عربي واسع.

لكن هذا الفتور القلِق كان له جانب آخر مهم للغاية يجري في الكواليس، على خلفية إخضاع إردوغان الجيش التركي للسلطة التركية، وفق نموذجه للحكم الإسلامي العلماني، والذي كان يلقى تأييدًا من الولايات المتحدة برئاسة باراك أوباما وقتها، ولقي إعجابا من القوى الإسلامية في عدة دول عربية ومنها مصر.

ويرى السفير عبد الرحمن صلاح أن مبارك كان "يخشى وقوع مثل هذا السيناريو في مصر، ولهذا فقد غضّ النظر عن نشاط محدود لجماعة "الإخوان المسلمين"، بل وسمح لهم به مع تسميتهم في نفس الوقت "الجماعة المحظورة"، مع السماح لهم بالسيطرة على 20% من مقاعد البرلمان خلال انتخابات عام 2005.

ورحل مبارك بعد ثورة شعبية إثر 30 سنة من وجوده في سدة الحكم، وتولى المجلس العسكري برئاسة المشير حسين طنطاوي مسئولية الفترة الانتقالية.

وكان الحكام الأتراك الحالمون باستعادة أمجاد "السلطنة العثمانية" في أنقرة، معجبون للغاية بما حدث، وسرعان توافدوا على القاهرة متقمصين دور "الأخ الأكبر" ليقدموا نصائحهم للقادة المصريين الجدد في كيفية إدارة المرحلة المقبلة.

وفي مارس 2011، أي بعد أقل من شهر على تنحي مبارك، أبدى الرئيس التركي وقتها عبدالله جول رغبته في زيارة القاهرة كأول رئيس دولة تطأ قدماه أرض مصر في العهد الجديد، وجاء "جول" بالفعل إلى مصر زائرا.

ويكشف الكتاب أيضا عن تفاصيل ما دار بين الرئيس التركي وبين المشير طنطاوي، حيث يقول المؤلف: "ركز جول على توجيه النصح لطنطاوي بعدم استخدام العنف ضد المتظاهرين حتى لو خرجت الأمور عن النظام في بعض الأحيان. وأكد جول أهمية نتيجة الاستفتاءات والانتخابات التي كانت ستجرى، وتم الإعلان بالفعل عن توقيتها".

في المقابل، كما يكشف الكتاب، كان اهتمام داود أوغلو، وزير الخارجية التركي آنذاك، منصباً على الاتصال بالمستشار طارق البشري، رئيس لجنة التعديلات الدستورية وقتها: "طلب مني على مائدة الغداء مع الرئيسين أن أوصله مع البشري تليفونيا، وقد قمت بذلك، واتفقا على اللقاء قبل مغادرة جول وداود أوغلو القاهرة"، لكن الكتاب يشير أيضًا إلى أنهما حرصا كذلك على لقاء زعماء كل التيارات السياسية وقتها.

وتطورت الأمور سريعًا إلى أحلام "التعاون والتحالف"، إذ أن إردوغان جاء في زيارة لاحقة له للقاهرة، للمشير طنطاوي بـ"روشتة رباعية" عن تصوره للعلاقات فيما بعد مبارك، تضمنت الآتي: مجلس استراتيجي مشترك، والإعفاء من تأشيرات الدخول للمواطنين، وعقد اتفاقية تجارة حرة، وتسيير خطوط طيران وملاحة مباشرة، وإن كان البندين الآخرين متحققين بالفعل قبل سنوات".

ويشهد السفير المصري لدى تركيا وقتها أن المشير طنطاوي رفض اقتراح المجلس الاستراتيجي، وعندما ألح الأتراك ووسّطوه لمعرفة السبب، أبلغه رئيس أركان الجيش المصري وقتها بأن المشير رد بأنه" لا يفضل أن يلزم أي رئيس مقبل بأمر قد لا يريده".

ويبدو أن رئيس المجلس العسكري وقتها كان - مثل مبارك-  لا يثق في إردوغان، كما يؤكد السفير. فيما حال استمرار اعتراض المخابرات العامة على اقتراح الإعفاء من تأشيرات الدخول دون تنفيذه، لأسباب أمنية، وهو القرار الذي ثبت صحته بعد ثورة 3 يونيو 2013.