الخميس 28 مارس 2024 الموافق 18 رمضان 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

القصة الكاملة لصورة عبدالناصر بـ"الزي البورمي": موقف محرج ينتهي بـ"عزومة"

الرئيس نيوز

كثيرون ربما شاهدوا هذه الصورة واعتبروها نادرة وغريبة، وقليلون قد يعرفون مناسبتها، لكن قصتها الكاملة، والتي وقعت في مثل هذه الأيام من عام 1954، ربما تكون غائبة.

إنه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بالزي البورمي، في عيد "رش المياه" الذي يتزامن مع بداية السنة البورمية الجديدة، وعلى يساره رئيس وزراء بورما "أونو" ورئيس وزراء الهند الراحل جواهر لال نهرو.

تعود قصة الصورة إلى مؤتمر باندونج بإندونيسيا، والذي عُقد في الفترة من 17 إلى 24 أبريل 1954، للدول الأفروآسيوية، المؤتمر السياسي الشهير الذي وضع المبادئ العشرة التي قامت عليها حركة "عدم الانحياز" بعد ذلك في العام 1961، ويعد من أبرز مؤتمرات النصف الثاني للقرن العشرين، والذي رسم الخريطة السياسية لدول كثيرة، بعيدا عن المعسكرين الغربي والشرقي وعراك الحرب الباردة.

نعود إلى الصورة، ففي طريقه إلى باندونج مرّ عبد الناصر بأكثر من دولة، ومنها الهند، حيث التقى رئيس وزرائها الشهير جواهر لال نهرو، الذي قرر أن يسافر مع الوفد المصري في الطائرة المتجهة بهم إلى بورما.

ويحكي الراحل محمد حسنين هيكل، في حلقاته "مع هيكل" التي كانت تذاع على فضائية "الجزيرة"، أن طائرة الخطوط الجوية الهندية "أميرة الهيمالايا" هبطت بهم في مطار "رانجون" البورمي، حيث كان ينتظرهم رئيس وزراء بورما "أونو" بحكم أنه المضيف.

لكن حدث شيء أربك الوفد المصري سياسيًا. يحكي هيكل: "لمحنا شواين لاي (رئيس وزراء الصين) واقف في المطار... أنا وعلى صبري لمحناه من شباك الطيارة في نفس اللحظة، وقلنا إحنا الاثنين لجمال عبد الناصر".

كانت علاقات مصر بالصين في تلك الفترة ليست على ما يرام، على خلفية أزمة سياسية بين واشنطن وبكين التي أُعلنت فيها الجمهورية، وأطيح بالحكام الذي كانت تدعمهم الولايات المتحدة.

لذلك، كان الارتباك هو سيد الموقف بسبب الظهور المفاجئ لأول رئيس وزراء للصين الشعبية بالمطار، ولأن عبد الناصر كان يفكر في حسابات السياسة التي قد تغضب أمريكا.

نادى عبد الناصر، الذي لم يكن اعترف بالنظام الجديد في الصين بعد، على وزير خارجيته الدكتور محمود فوزي وسأله: "هنعمل إيه؟"،  ودارت المناقشات، وانضم علي صبري وهيكل أيضًا.

يستكمل هيكل: "قعدنا، لأن الطائرة كانت بتعمل Taxing، ونهرو قاعد يراقب اللي بيحصل في الطائرة في الجزء الأول وهو مستغرب إيه اللي حاصل".

ويقول هيكل إن شواين لاي، الذي كان في زيارة متزامنة لبروما، كان يعرف أن "عبد الناصر" في الطائرة، و"جاي وهو عارف وهو مستني مين وقاصدين".

بينما كان محل القلق أن "الأمريكان مخهم طاير من الصين بعد هزيمتهم أو هزيمة رجلهم في الصين تشاكاي شاك"، بخلاف أن شواين لاي تحديدا "فى واقع الأمر كان هو اللي بيدير الحكومة، لأنه ماوتسي تونغ وهو المفكر الأكبر للثورة... وكان بدأ يبعد ويتفرغ للحزب والتنظيم، والمشرف على الحكومة هو شواين لاي وهو اللي عمل معجزة الصين اللي بنتكلم عليها النهارده".

بعد دقائق حسم عبد الناصر" الموقف: "طبيعي جداً، هننزل وسنسلم عليه.. إحنا لا نستطيع أن نقاطع الصين ولا نستطيع أن نلتزم بالموقف الأمريكي".

وواصل هيكل: "نزلنا من الطائرة، وبشكل أو آخر حصل انفتاح... وغلبت مشاعر فيها لمحات ثورية في ذلك الوقت خلت اللقاء بشكل أو آخر هائل".

بعد نزول عبد الناصر ونهرو من الطائرة واستقبال "أونو" وشواين لاي لهما وللوفد المصري، ذاب جليد الموقف، وجاء الدور على المضيف لضيافة الزعماء الثلاثة.

يقول هيكل: "أونو عزم كل الناس، نهرو وجمال عبد الناصر وشواين لاي ينزلوا، يحضروا معه أعياد المياه وألبسهم كلهم الجو البورمي" (الزي البورمي).

ثم يعقّب: "كانت مشاهد لا تصدق أن الزعماء الثلاثة ماشيين في وسط الناس بلا حراسة لابسين الزي البورمي ومعهم أونو".