الجمعة 29 مارس 2024 الموافق 19 رمضان 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

"لعنة الحب والثراء" في حياة قوت القلوب الدمرداشية

الرئيس نيوز

نقلت جثمان محمود أبو الفتح بطائرة خاصة إلى تونس.. وكانت تصلي يوميًا تحت صورته ترحمًا عليه

ابنتها تزوجت علي أمين وطُلقت سريعًا.. وابنها ضربها على رأسها بـ"كرسي" في روما فأرداها قتيلة

 

ربما صادفت اسمها مرة وتوقفت عنده لأنه مميز، وربما وجدته مرتبطًا بجائزة أدبية حصل عليها نجيب محفوظ في مطلع مسيرته مع الكتابة.

نتحدث عن "قوت القلوب الدمرداشية"، الأديبة المجهولة وسيدة المجتمع التي تألقت سيرتها قبل ثورة 1952، ثم انزوت بعد ذلك بسنوات.

وُلدت "قوت القلوب" في القاهرة عام 1892 وتوفيت في  1968، وعاشت في مصر، لكنها هاجرت إلى أوروبا في أواخر حياتها وماتت في ألمانيا.

هي ابنة الشيخ عبد الرحيم الدمرداش، مؤسس "الطريقة الدمرداشية"، والرجل الذي تبرع لإنشاء مستشفى الدمرداش، والذي سُمي على اسمه حتى الآن.

وبعيدًا عن المعلومات القليلة الموجودة عنها، فإننا هنا سنعود إلى شهادة واحد من الذين عاصروها وكان له تعاملات معها.

في كتابه "سيد أبو النجا مع هؤلاء"، الصادر عن "أخبار اليوم"، عام 1985، يقول الرجل الذي عمل مديرا لعدة مؤسسات صحفية كبيرة قبل وبعد ثورة يوليو، إن قوت القلوب ورثت عن أبيها الشيخ عبد الرحيم ثروة طائلة، وكان لها قصر منيف بقرب نفق قصر النيل الحالي قبل إنشائه.

وبعد وفاة أبيها، ظل رجال الطريقة الدمرداشية يترددون على قصرها الذي كان يستضيف أيضا أصدقاءها من الكتاب والمثقفين ورجال وسيدات المجتمع من مصر وفرنسا.

لكن أبو النجا يكشف لنا بعضا من الأسرار الحياتية لهذه السيدة فيقول: "كانت غريبة الأطوار، فقد كانت تحترم ذكرها أبيها شيخ الطريقة الدمرداشية حتى لتحتفظ بعمامته في علبة كبيرة من الكريستال تضعها في الصالون الكبير، ولكنها كانت تكره زوجها المستشار مختار بقدر ما كانت تحب أباها. كما كانت تكره ابنها أحمد لمجرد أن فيه شبها من أبيها".

لماذا عاشت مع زوجها كل هذه السنين حتى مات إذن؟ سألها أبو النجا فأجابت بأنها كانت تفعل ذلك طاعة لأبيها الذي كان يكرر عليها "إن أبغض الحلال عند الله الطلاق".

وعن ثرائها يذكر أنها "كانت تقتني عددا من الضياع، وكانت تبيع البرتقال والموز والعنب من مزارعها لتجار الجملة ثم تمر عليهم بسيارتها الفارهة في القاهرة والإسكندرية لتحصيل الأرصدة، كما كانت تمتلك عددا من العمارات ولكنها حين بنت العمارة التي في شارع فؤاد والتي فيها شيكوريل توقفت عند الدور الرابع بسبب نقص السيولة فكانت تندب حظها لأنه ليس في وسعها أن تكمل بناء العمارة".

عُرفت قوت القلوب الدمرداشية ككاتبة وأديبة باللغة الفرنسية، ولها روايات منها: "مصادفة الفكر" سنة 1937،  "حريم" 1949، "زنوبة"، "ليلة القدر"، "رمزة ..ابنة الحريم"، و"حفناوي الرائع"، وكانت تقيم صالونا أدبيا يجتمع فيه مثقفون كثر، منهم كامل الشناوي وعبدالرحمن الخميسي.

لكن سيد أبو النجا يقول إن فرنسيتها لم تكن لتسعفها لتكتب كل هذا، ويرجح أنها كانت تستأجر من يكتبون لها هذه الأعمال.

وهناك جانب تعيس في حياة قوت القلوب، فحسب أبو النجا فإنها "عاشت رغم ثرائها محرومة من الحب ومن الصحة فلما قامت الثورة عاشت طريدة في روما"، والحب في حياة قوت القلوب الدمرداشية له قصة، إذ كانت تحب الصحفي محمود أبو الفتح، صاحب جريدة "المصري" ونقيب الصحفيين لأكثر من دورة، وكانت مستعدة للتضحية بالمال من أجل إرضائه.

يحكي مؤلف الكتاب: "كانت تشكو لطوب الأرض من صده، بل كانت تجاملني لصلتي بمحمود فترسل إلى بيتي هدايا من الحلوى وربطات العنق دون مناسبة وتدعوني كثيرا إلى الولائم التي تقيمها في بيتها لتذكرني بأنها واقفة بالباب وأنهما تطمع في أن أقول عنها كلمة طيبة لحبيب القلب".

ويروي الكاتب موقفا يؤكد استعدادها لأي شيء من أجله فيقول: "عندما أراد (أبو الفتح) شراء شركتي الإعلانات الشرقية والمصرية قمت أنا بمفاوضة مستر يونج على القيمة واتفقنا على أن تكون ثلاثمائة ألف جنيه نقدا ولكن من أين يأتي أبو الفتوح بهذا المبلغ؟".

ويضيف أن أبو الفتح طلب منه أن يفاتح قوت القلوب في الموضوع ويطلب منها المبلغ لكن "دون أن يعدها بشيء في موضوع الزواج".

وبالفعل "ما إن فتحت الموضوع حتى انفرجت أسارير وجهها وقامت على الفور فحررت شيكا بالمبلغ"، واشترى أبو الفتح الشركتين لكنه لم يتزوجها.

مع ذلك ظلت على حبها ووفائها له، "ولما توفى أبو الفتح في باد نوهايم بألمانيا الغربية أشرفت على تغسيله واستأجرت طائرة خاصة لنقل جثمانه والمعزين إلى تونس، حيث كرم ذكراه الحبيب بورقيبة وأقام له ضريحا من الرخام بعد أن رفض الرئيس جمال عبد الناصر أن يصرح بدفنه في مصر".

ويستكمل الكتاب: "وبقيت قوت القلوب على وفائها فعلقت صورة كبيرة له في بيتها بالقاهرة قبل أن يهدمه الدكتور عزت سلامة وزير الإسكان  في عهد عبد الناصر لينشئ نفق قصر النيل. وكانت تبدأ يومها كل صباح وتختمه في المساء بالصلاة تحت صورة أبو الفتح ترحما عليه".

ويلخص أبو النجا ذلك الحب الذي بدا أنه من طرف واحد فيقول: "كانت تحب كل شيء يحبه محمود، ولذلك كانت تكره الثورة لأن الثورة اضطهدته، إنه حب عذري ولكني لم أر أكثر منه اشتعالا في حياتي".

وكان من عاداتها الحياتية يذكر أبو النجا أنها كانت "تعيش على رجيم قاس يتألف من عصير السبانخ والفاكهة لأنا تشكو من كليتيها ولكنها حين تقيم الوليمة تستخدم الأسطى عزوز وهو الطاهي المتخصص في شي الخراف الصغيرة مع الحشويات والتوابل والأرز فكان صبيانه يمرون حول المائدة بعربة صغيرة تحمل ما لذ وطاب فيأخذ كل منا ما يشاء وتبقى هي كما أمرها الطبيب تشرب السوائل وتأكل المسلوقات".

ويتابع: "وكان لكامل الشناوي وعبد الرحمن الخميسي وعبد الوهاب حسني المحامي باع طويل في الإجهاز على الخروف وتوابعه".

أنجبت قوت القلوب مرتين من زوجها، ولدا وبنتا، والأخيرة، حيث تزوجت علي أمين وأنجبت منه بنتا ولكن كان واضحا من تباين المشارب أن هذا الزواج لن يدوم فطلقها.

أما ابنها "أحمد" فيقول أبو النجا إنه ضربها على رأسها بكرسي وهما في روما فأرداها قتيلة.

وإجمالا، فرغم أنها كانت سيدة تحب الحياة، وتحضر مع ابنها حفلات الذكر وتتوسط الرجال في المناسبات والحفلات التي كانت تقيمها في بيتها، فإنها "لم تعرف حياة الأسرة في نفسها ولا في بنيها"، وهكذا "عاشت تحلم بالحب في حياة زوجها وبعد مماته ولكنها مكثت تبحث عنه في كل مكان وتقترب منه كلما استطاعت".