الخميس 25 أبريل 2024 الموافق 16 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

هرب من منزله بعد تهديدات بقتله.. كيف رد نجيب الريحاني على اتهامه بأنه "جاسوس" للإنجليز؟

الرئيس نيوز

 - شخص هاجمه في الأزهر مدّعيًا أنه يلهي الشعب عن حقوقه.. ومصطفى أمين حذره قائلًا: "انج بنفسك وإلا قتلوك"

- عضوة بفرقته هربته سريعًا إلى فندق بمصر الجديدة.. وبعد عودة المسارح عرض رواية بألحان وطنية لبديع ودرويش

 

في ليلة من ليالي ثورة 1919، دخل شخص اسمه مصطفى أمين - كان شريك سابق لعلي الكسار في فرقته المسرحية - على نجيب الريحاني في منزله وهو يلهث، قائلا له: "انج بنفسك يا نجيب، فإنك الليلة مقتول لا محالة". 

كانت الأجواء مشتعلة في مصر بين الشعب وبين الإنجليز الذين نفوا الزعيم سعد زغلول إلى جزيرة مالطة، وفي وسط كل هذا كان من السهل أن يوجه أي شخص اتهامات الخيانة والعمالة لشخص آخر، لينال منه، مستغلا هذه الظروف.

 

لذلك، وجد نجيب الريحاني نفسه ذات يوم متهما بالجاسوسية لصالح إنجلترا، وهي قصة يسردها كاملة في كتاب "مذكرات نجيب الريحاني"، الصادر عن دار الهلال، 2017.

 

يحكي الفنان الأسطوري أنه شارك في مع أعضاء فرقته في مظاهرات ثورة 19 مثله مثل كل طوائف الشعب المصري، لكن "الخصوم والحساد والناقمين" لم يتركوه في حاله.

 

ففي اجتماع جماهيري بالأزهر الشريف – كان يحضره مصطفى أمين – وقف شخص من خصوم الريحاني دون أن يدعوه أحد إلى الكلام وقال إن الممثل المسرحي "دسيسة إنجليزية"، متهما نجيب بأنه تقاضى أموالا من الاحتلال "ليلهي الشعب برواياته عن المطالبة بأمانيه العالية".

 

وكما حكى له مصطفى أمين، فإن الجماهير أثارها خطبة ذلك الشخص وهتفوا ضد الريحاني مصممين على قتله، لذلك هرع إلى منزله ليحذره.

 

ماذا فعل الريحاني إذن؟

كانت موجودة معه في ذلك الوقت عضوة فرقته، الألمانية لوسي فرناي - التي سيتزوجها لاحقًا - فخشيت أن ينفذ أحدهم التهديد ويتقل الريحاني، لذلك فإنها نصحته سريعا بأن يتركا المنزل في الحال.

 

يروي الريحاني: "أخذنا عربة. وكنت في تلك الساعة أحس أن قلب العزيزة لوسي يكاد يقفز من بين جنبيها. وكان يخيل إليّ أنني أسمع دقاته وهو يعلو ويهبط. إذ وقفت على سلم العربة لتحول بيني وبين أنظار المارة. وتستحث الحوذي أن يلهب ظهور خيله كي يبتعد بنا عن منزلنا قبل أن تغشانا الغاشية.

 

وصل نجيب ولوسي إلى فندق "هليوبوليس هاوس" بمصر الجديدة، وهناك نزل مع صديقته في إحدى الغرف بعد أن جاوزت الساعة الثانية صباحا.

 

وفي الفندق بقى نجيب الريحاني عدة أيام لا يعود إلى منزله، لكن المخاوف لم تلهه عن أداء واجبه الوطني، يقول: "كنت آتي إلى المسرح في كل صباح، فأجتمع بالممثلين والممثلات وغيرهم، لنرتب أمورنا ولننظر في شئوننا".

 

لكن هذه الشئون لم تكن إلا مظاهرات داعمة للثورة يشارك فيها نجيب وفرقته، لأن كل المسارح في مصر كانت معطلة على خلفية الأحداث بأوامر من السلطان آنذاك.

 

بعد استقرار الأوضاع والسماح لسعد زغلول ورفاقه بالسفر إلى مؤتمر فرساي لعرض القضية الوطنية لمصر، عادت المسارح للعمل من جديد، فعزم الريحاني على تقديم مسرحيته التي صادرتها سلطات الاحتلال الإنجليزي في وقت سابق ومنعت عرضها.

 

كانت المسرحية بعنوان "قولوا له"، وبسبب أحداث الثورة عمد الريحاني إلى إضافة ألحان وطنية إلى صلب المسرحية تتحدث بلسان كل طبقات الشعب المصري، وكانت الألحان لفنان الشعب سيد درويش والكلمات للعبقري بديع خيري.

 

لاقت المسرحية نجاحا لافتا، وبحسب نجيب فإن هتاف الجمهور كان يرتفع إلى عنان السماء والتصفيق يكاد يصم الآذان.

 

ويحكي الريحاني متأثرا: "أقسم أن الدموع كانت تغالب الموقف في عيني. وكان قلبي يفكر اعترافا بالجميل لأبناء الوطن الذين تهافتوا على أخ لهم يشعر أنه لم يؤد من الواجب عليه إلا قليلا، ومع ذلك ارتفع في نظرهم قدره وسما بينهم ذكره، حتى كدت والله أعذر حسادي فيما فعلوا من محاربتي، لأن هذه المظاهرة الكاملة – بل وأقل منها – كان يكفي لكمدهم ولإشعال نار الحقد بين ضلوعهم".