الجمعة 19 أبريل 2024 الموافق 10 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

تفاصيل رسالة سرية نقلها "هيكل" إلى "عبد الناصر" من ألبرت آينشتاين

الرئيس نيوز

"هل تعرف ما الذي ينوون عمله بأهلي".. كان هذا هو السؤال المباغت والغريب الذي طرحه ألبرت آينشتاين على محمد حسنين هيكل، في لقاء جرى بينهما عام 1952.

كان هيكل طلب مقابلة العالم الكبير الذي تمر ذكرى وفاته اليوم، 18 إبريل، لإجراء حوار صحفي معه، وبالفعل التقاه في 12 ديسمبر من ذلك العام، وقبل أن يشرع "الأستاذ" في طرح الأسئلة عليه باغته آينشتين: "لدي سؤلا أريد أن أطرحه عليك".

التفاصيل ذكرها هيكل في كتابه "زيارة جديدة للتاريخ"، والذي ضمنه الحوار الكامل مع آينشتاين، بعد أن نشر جزء منه في مجلة "آخر ساعة" وقت المقابلة.

كان آينشتاين قد عرف أن هيكل له علاقات جيدة بأعضاء مجلس قيادة الثورة في مصر، لذلك فإنه أراد أن يطمئن على شيء من الصحفي القريب الصلة بالسلطة الجديدة.

أكد هيكل للعالم الكبير أنه بالفعل يعرف بعض الضباط الشبان في مجلس قيادة الثورة، فقال له آينشتاين: "هل تعرف ما الذي ينوون عمله بأهلي؟"، ولما ظهر على هيكل الاندهاش، فسر العالم الكبير: "أهلي من اليهود.. هؤلاء الذين يعيشون في إسرائيل".

عندها تذكر الصحفي أن صاحب نظرية النسبية يهودي، ثم راح آينشتاين يشرح كيف أن اهتمامه باليهود إنساني في المقام الأول، وأنه يتخذ مواقف ضد عنف قادة إسرائيل في مذابحهم تجاه الفلسطينيين.

وظل سؤال آينشتاين مطروحا خلال المقابلة التي تطرقت لنظرية النسبية واختراع القنبلة الذرية وجنون قادة العالم الذي سيدمر البشرية،  إلى أن جاء الوقت الذي أعاد فيه آينشتاين لقضية إسرائيل مرة أخرى على هيكل، وأراد التأكد من هوية المتحكم في مقاليد الأمور في مصر، بعد أن سمع عن أن اللواء محمد نجيب مجرد واجهة للثورة.

ورد هيكل: "ليس هناك سر في ذلك، فالجنرال فعلا هو واجهة وقع عليها الاختيار، وأما قائد الثورة الحقيقي فهو كولونيل شاب اسمه جمال عبد الناصر".

لم يكن آينشتاين يعرف عبد الناصر بعد، وخلال المقابلة نسى اسمه أكثر من مرة وراح هيكل يذكره به كلما نسى. المهم أن آينشتاين أعاد سؤاله الأول، فرد هيكل: "لا أظن أن الكولونيل عبد الناصر أو الجنرال نجيب أو غيرهما من شباب الضباط لديهم مشكلة مع اليهود كيهود. المشكلة مع إسرائيل الدولة وخططها العدوانية ضد الفلسطينيين والتوسعية ضد العرب. هنا المشكلة".

عندها دخل آينشتاين إلى صلب الموضوع مباشرة، وباغت هيكل بطلب: "هل تستطيع أن تنقل رسالة إلى الجنرال نجيب أو إلى هذا الكولونيل الذي كنت تتحدث عنه؟".

أجاب هيكل: "بالطبع"، فقام آينشتاين إلى مكتبه وعاد بمظروف به برقيات مرسلة إليه من سفير إسرائيل في واشنطن، وخطاب آخر يحمل رد آينشتاين. وكان ذلك عبارة عن طلب رسمي من إسرائيل بأن يتولى آينشتاين رئاسة دولة الاحتلال، وفي الخطاب اعتذار من العالم الكبير عن العرض.

بعد ذلك عرض آينشتاين الرسالة التي يرد أن يحملها هيكل لنجيب وعبد الناصر، من خلال ثلاثة أسئلة: "هل هما مستعدان للسلام مع إسرائيل؟ وإذا كان الرد بالإيجاب فما هي الشروط الواجبة - أو الممكنة – على الطرفين لتحقيق هذا السلام؟ ثم ما هو الأسلوب الذي يقترحانه لبحث القضية مباشرة بينهما أو عن طريق أي جهة دولية في البداية؟

ثم عقب آينشتاين: "إنني لا أريد أن أعرض نفسي وسيطا فأنا لا أصلح لذلك. ربما كنت –  كما يقولون في الكيمياء – أصلح كعامل مساعد. لا أريد أن أقوم بدور سياسي. ما أريده هو أن أقوم بالدور الإنساني. تحقيق الاتصال ثم ترك التفاصيل لمن يعرفون أو من يقدرون أو من هم مهيئون لذلك".

 

أحس هيكل بحيرة: "من ناحية لم أجد ضررا محتملا في حمل ثلاثة أسئلة من ألبرت آينشتاين إلى محمد نجيب أو جمال عبد الناصر. ومن ناحية أخرى فإنني كنت أخشى أن أفتح بابا لا أعرف إلى أن يقود".

كان الدور على آينشتاين ليبدد حيرة الصحفي الكبير، فقدم له عرضا مغريا: "إذا كنت توافق على حمل هذه الرسالة فأنا لا أمانه في أن تنقل صورا من هذه الأوراق لكي يعرفوا في القاهرة أنني لا أقترح من فراغ"، لكنه اشترط عليه أن يبقي الأمر سريًا وألا ينشر منه كلمة في الصحف.

وسعد هيكل، الذي يحب الوثائق، بعرض آينشتاين، وفي 10 دقائق كان قد جلس إلى مكتب العالم ونقل الوثائق الثلاث من وإلى السفير الإسرائيلي في واشنطن.

عندما عاد هيكل إلى القاهرة جلس مع عبد الناصر وأطلعه على تفاصيل مقابلة مع آينشتاين، والغريب كما يقول "الأستاذ" أن ناصر كان مهتما بكلام آينشتاين عن النسبية والقنبلة الذرية أكثر من كلامه عن عرض السلام مع إسرائيل.

وقرر عبد الناصر أن يعلق رده على آينشتاين انتظارا لما ستسفر عنه زيارة وزير الخارجية الأمريكي آنذاك فوستر دالاس.

وبعد عام وأكثر، كما يحكي هيكل، زار رئيس الوزراء الهندي جواهر لال نهرو القاهرة، وأطلع عبد الناصر على خطاب أرسله إليه عالم الرياضيات والفيلسوف البريطاني برتراند راسل، مرفق به رسالة من آينشتاين، يرجو منه فيها نقلها لنهرو لكي يفاتح عبد الناصر مجددا في موضوع السلام مع إسرائيل.

يختم هيكل: "كان ذلك في منتصف شهر فبراير 1955، ولم تمض أكثر من عشرة أيام حتى وقعت الغارة الإسرائيلية الشهيرة على غزة. ولست أعرف كيف كان رد فعل ألبرت آينشتاين وهو يتلقى تفاصيل ما حدث".