الثلاثاء 16 أبريل 2024 الموافق 07 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

خبير المياه نادر نورالدين لـ"الرئيس نيوز": "سد النهضة" الأثيوبي فقد جدواه الاقتصادية والسبب مصر (حوار)

الرئيس نيوز

 

ـ التغييرات في القيادة السودانية لن تؤثر على موقف الخرطوم من مفاوضات "سد النهضة"

ـ على اثيوبيا أن تغير حساباتها وتحول الكهرباء المنتجة إلى المواطن الأثيوبي الفقير

ـ أثيوبيا ستخسر اقتصادياً لأنها ستضطر لتوجيه منتجها الكهربائي للمواطن الأثيوبي الفقير

ـ وزير التموين الحالي مهندس ألكترنيات وليس له دراية بأسواق الغذاء وتجارته العالمية وتخزينه

كشف أستاذ المياه والتربة في جامعة القاهرة، مستشار وزير التموين الأسبق، الدكتور نادر نورالدين، أن سد النهضة الأثيوبي قد فقد جدواه الاقتصادية الآن، على أساس شراء مصر وحدها نحو ٧٥٪ من كهرباء السد، وشراء السودان وجنوب السودان نحو ٢٥-٢٠٪ من هذه الكهرباء.

وأكد نورالدين، أن الاكتفاء الذاتي الذي حققته مصر داخلياً من الكهرباء، وبدء إمداد السودان بما يلزمها من الكهرباء، لمنع استيراد السودان الكهرباء من أثيوبيا، وقيام مصر بمساعدة جنوب السودان على بناء سدود صغيرة لتوليد الكهرباء، وبناء محطات حرارية لتوليد الكهرباء في جنوب السودان، قضى على الآمال الأثيوبية في تصدير الكهرباء، وإلى نص الحوار:

 

ما مستقبل مفاوضات سد النهضة؟

ـ لا أحد يعلم إلى الآن مستقبل المفاوضات، ولا سبب توقفها في الوقت الراهن، كما أن اثيوبيا تصر على غموض موقفها وعدم الإفصاح عن مستقبل استكمال السد بمواصفاته الحالية، أو بتقليل سعته التخزينية، لتقليل التكاليف التي أعلن رئيس الوزراء الأثيوبي أبي أحمد، معاناة اثيوبيا منها وفرض غرامة تأخير مليار دولار من الشركة الإيطالية المنفذة للسد، بسبب تأخر الشركة الاثيوبية في تسليم مستلزمات التوربينات، ثم حل هذه الشركة، وطرح مناقصة جديدة للشركات العالمية لتوريدها، بالإضافة إلى تأخير انتهاء السد لمرتين عام 2020 بدلاً من عام ٢٠١٨، ثم عام 2022، وينبغي على مصر ألا تركن لوقت التأجيل، وعليها سرعة البت في مستقبل أمنها المائي وتسلمها لحصتها المائية، من دون نقصان يؤثر على سير الحياة أو عمليات التنمية.

هل فقد سد النهضة جدواه الاقتصادية؟

ـ أنا على يقين من فقدان السد لجدواه الاقتصادية، والتي بنيت على اساس شراء مصر وحدها نحو ٧٥٪ من كهرباء السد وشراء السودان وجنوب السودان لنحو ٢٥-٢٠٪ والباقي لمد المحافظات الاثيوبية الحدودية بالكهرباء، وهذه التقديرات تمت بوساطة من البنك الدولي، ووافقت مصر عليها وقت أن كانت تعاني من نقص حاد في الكهرباء، خلال الفترة من ٢٠١١ إلى ٢٠١٤، ولكن تأخر اثيوبيا في بناء السد، ثم إدراك مصر لخطورة شرائها للكهرباء من اثيوبيا، بما يشجعها مستقبلاً على بناء المزيد من السدود، بما يضر بمصالح مصر المائية، وبالتالي اتخذت مصر قراراً بالاكتفاء الذاتي داخلياً من الكهرباء مع إمداد السودان بما يلزمها من الكهرباء، لمنعها من الاستيراد من اثيوبيا ثم قيام مصر لمساعدة جنوب السودان على بناء سدود صغيرة لتوليد الكهرباء وبناء محطات حرارية لتوليد الكهرباء في جنوب السودان، بما دمر الحسابات الاثيوبية التي قام عليها بناء "سد النهضة"، بأن تكون اثيوبيا مركزاً للطاقة الكهربية في شرق افريقيا، وان تستخدم الشبكة الكهربائية المصرية الموحدة مع اوروبا لتصدير كهرباء سد النهضة إلى دول اوروبا، وبالتالي لم يعد هناك حالياً أي دولة جوار تحتاج إلى الكهرباء الاثيوبية، وعلى اثيوببا أن تغير حساباتها وتحول الكهرباء المنتجة إلى داخل اثيوبيا نفسها، وإقامة شبكات ضغط عالي لنقل الكهرباء داخلياً لمسافات تتجاوز الاف الكيلومترات لبيعها في النهاية بأسعار رخيصة للمواطن الاثيوبي الفقير محدود الدخل، وبما سيسبب خسارة كبيرة للاقتصاد الاثيوبي وتعثر في سداد مديونيات اثيوبيا لقروض بناء السد.

ماذا التطورات الحالية في بناء سد النهضة وهل بدأت اثيوبيا التخزين؟!

ـ العمل يسير ببطء حالياً في انشاءات السد، وهناك احتجاجات عمالية عن تأخير صرف الرواتب لستة أشهر، ما يعكس معاناة اثيوبيا وارتباكها، حيال تدبير نفقات استكمال السد، وتأجيل موعد تسليمه اكثر من مرة، والتخزين لم يبدأ بعد في بحيرة السد بسبب تأخر الانتهاء من بوابات تركيب التوربينات في جسم السد، ولكن تم استخدام نحو ٢ مليار متر مكعب من مياه النيل الأزرق فقط، بمواففة مصر، لاختبار أرضية بحيرة السد وقدرتها على تخزين المياه، وعدم وجود شقوق عميقة وكبيرة تتسبب في فقد وتسرب المياه بالرشح العميق، ومن المنتظر أن تبدأ تجارب التخزين في فيضان ٢٠٢٠، ولكن حتى الآن لم يتم حسم عدد سنوات الملء الأول للسد والتي تصر اثيوبيا على ألا تتجاوز ثلاث سنوات وتصر مصر على ألا تقل عن ست سنوات، مع اعطاء مصر والسودان الوقت اللازم لتخزين كميات من المياه في بحيرة ناصر في مصر أو في خزانات الوصيرس وسنار في السودان، تكفيها خلال سنوات الملء الأول وان يتم الاتفاق على سيناريو هذا الملء بأن يكون عبر نسبة معينة من مياه النيل الأزرق أو حجم معين من مياه النهر أو الانتظار حتى ورود فيضان غزير يسمح لمصر والسودان بملء خزانات سدودها بالمياه وبعدها تبدأ اثيوبيا التخزين في سنوات الفيضان الغزير، خلال السبع سنوات السمان.

هل تعتقد أن يؤدي تغيير الرئيس السوداني "المقتلع" عمر البشير إلى تغير موقف السودان من "سد النهضة"؟

ـ لا أتوقع تغييراً كبيراً في الموقف السوداني، وهناك اشياء صغيرة قد يكون لها مدلولها وهو ما حدث اليوم الجمعة عندما خير الاتحاد الافريقي لكرة القدم الكاف للسودان لاقامة مباراه الهلال مع النجم الساحلي التونسي في مصر او في اثيوبيا بسبب الأحداث الجارية في السودان فاختار الفريق السوداني اقامتها في اثيوبيا، بما يدلل على اعتبار انها الأقرب حالياً للسودانيين من مصر، ونرجو ألا يكون هذا صحيحاً. وان مصر على مر التاريخ كانت سنداً للسودان وهي التي دافعت عن السودان منذ عهد الوالي محمد علي ضد اطماع اثيوبيا في الاراضي السودانية، وإصرارها على أن الأراضي الأثيوببة تمتد حتى مدينة الخرطوم ثم شمالاً حتى التقاء نهر عطبرة مع النيل ٣٣٠ كم شمال الخرطوم، كما أنها لا تزال تستولى على أراضي منطقة القضارف السودانية الحدودية دون وجه حق.

كيف يمكن تفادى صراعات المياه والأمن الغذائي في القارة الافريقية، ودور مصر في هذا بسبب توليها رئاسة الاتحاد الافريقي لهذا العام ٢٠١٩؟

ـ تعاني افريقيا من ظاهرة عشوائية بناء السدود النهرية حيث وصلت عدد السدود في غرب افريقيا إلى ١٥٠ سداً وفي جنوب افريقيا إلى ٢٨ سداً ثم تقلص مساحة بحيرة تشاد الي ٣٪ فقط من سابق مساحتها عام ١٩٦٠، وهناك صراعات ونقاط ساخنة تهدد بقيام حروب مياه قريباً بين النيجر ونيجيريا وبين النيجر وبوركينا فاسو ونيجيريا وبنين، وأيضاً صراعات بين ناميبيا وجنوب افريقيا والسنغال وموريتانيا بالإضافة إلى صراعات مصر واثيوبيا.

وبشكل عام فإن افريقيا تستحوذ على نسبة قليلة من المياه العذبة في العالم، لاتتجاوز ٩٪ فقط مقارنة بنسبة ٢٨٪ لكل من امريكا الجنوبية وآسيا ونحو ١٦٪ لكل من اوربا وامريكا الشمالية، بالإضافة على عدم توزيع المياه بشكل متوازن داخل القارة الأفريقية، كما أن هناك الفجوة الغذائية الكبيرة لدول شمال افريقيا، والتي تتجاوز ٦٠٪ من احتياجاتها من الغذاء، والتي تقل إلى ٢٧٪ فقط في دول افريقيا جنوب الصحراء.

الأمر يحتاج إلى استخدام مصر لخبراتها الزراعية كأقدم دولة زراعية في العالم في تطوير الانتاج الزراعي في القارة الأفريقية وتطوير الرى ورفع كفاءة استخدامات المياه واستخدام التقاوى عالية الانتاجية ومعها اضافة الكميات الموصى بها من الاسمدة والتوسع في الزراعات العضوية والحيوية المطلوبة في اوروبا مع تشجيع التجارة الداخلية للغذاء بين الدول الافريقية، والتي تنتج كميات جيدة من زيوت النخيل وزيوت الطعام والذرة بمختلف انواعها والبقول والسكر واللحوم يمكن مضاعفتها وزيادة انتاجها ثم تصديرها داخلياً بين دول القارة، والتغلب على مشاكل التفتت الزراعي وصغر الحيازات الزراعية وسيادة مزارع الأسرة والتي تقل عن ٣ هكتار للحيازة، وللأسف الشديد فإن الأمم المتحدة أسندت إلى اسرائيل ومنذ عام ٢٠١٠ عمليات تطوير الأمن الغذائي ورفع كفاءة استخدامات المياه في افريقيا مقابل دعم مالي كبير، وقت كانت مصر غائبة عن افريقيا وبالتالي فمصر أولى بهذا النشاط الزراعي داخل القارة لخبرتها الطويلة ولانتمائها الافريقي.

هل نجحت مصر في تدوير وإعادة استخدام المياه؟

ـ نعم إلى حد كبير، فنحن أكبر دولة افريقية وربما عالميا نعيد استخدام المياه للمخلفات في الرى وأكثر من مرة ولكن ينقصنا المعالجات الأكثر تقدما لمعالجة هذه المياه ثلاثيا وزراعياً للتخلص من متبقيات المبيدات والاسمدة والميكروبات الممرضة والملوثة للتربة والغذاء، وهو ما تقوم به مصر حالياً من التوسع في انشاء محطات ووحدات معالجة مياه المخلفات والمياه الهامشية وهي ارخص كثيرا من تحلية مياه البحار المكلفة والمستنزفرة للكهرباء.

ماذا عن دور وزارة التموين في الرقابة على الاسواق؟

ـ الحقيقية أنا غير راض تماماً عن دور وزارة التموين في ضبط وحوكمة اسواق الغذاء وهي المنوط بها أساسا الرقابة والتوزيع، ولكنها للأسف تركت الأسواق تماماً للتجار بحجة عدم التدخل الحكومي في الأسعار، لعدم إحداث تشوهات سعرية ترفضها المنظمات الدولية للتجارة، وهذا غير صحيح فهناك فرق بين الفوضى وحرية التجارة والمنافسة الشريفة فللأسف للتجار غرف تجارية تضم شُعباً لكل أنواع التجارة مثل شعب اللحوم والسكر والبقول والزيوت والدواجن والأرز، وغيرها، وبالتالي يجتمع فيها تجار كل صنف ويحددون سعر السلعة التي يستوردونها أو يتاجرون فيها وبالتالي فليس هناك اي منافسة من أي جهة لهذا التكتل من التجار حتى أن وزارة التموين لم تستغل ما تمتلكه من مجمعات تعاونية وبقالين تموينيين ومنافذ شرطة وجيش ووزارة زراعة وجمعيات فئوية للمنافسة وطرح السلع بأسعار منخفضة تنافسية تمنع انفراد التجار بالأسواق وتحكمهم وحدهم في تحديد الأسعار وبالتالي شعر المواطن المصرى حالياً بارتفاع غير مبرر في الأسعار وباستغلال التجار وبعدم فاعلية دور الدولة ووزارة التموين في رقابة الأسعار بحجة الأسواق الحرة وحرية المنافسة، وبالتالي قل الرضا العام عن الاداء الحكومى والذي يقيم في العالم كله بمدى نجاح اي حكومة وقدرتها على ثبات الأسعار وعدم ارتفاعها وبالتالي حدوث ارتفاع في نسبة الرضاء العام عن الاداء الحكومي وهذا غائب تماما حاليا في مصر ووزير التموين الحالي مهندس الكترونيات وليس له دراية باسواق الغذاء وتجارته العالمية وتخزينة وعمل البورصات ولا بالتجارة الداخلية ولا المنافسة الحرة ودور الدول في ضبط الأسعار والرقابة عليها.

ماذا عن تقليص دعم الغذاء؟

ـ دعم الغذاء هناك استعجال على تقليصه حالياً، على الرغم من أن المتعارف عليه دولياً هو أن دعم الغذاء آخر من يرفع من الدعم بعد تمام رفع دعم الطاقة والمحروقات والبناء والصادرات والمواصلات، ولكن للأسف أرى أن وزير التموين الحالي حكومي أكثر من الحكومة، ومهموم بإثبات ولائه للحكومة بتوفير دعم الغذاء أكثر من ولائه للشعب، وحرصه على الرضاء العام عن اداء الدولة، وهذا يعكس غضب رجل الشارع حالياً على الارتفاعات المتتالية في الأسعار وغياب دور وزارة التموين وتفرغ وزير التموين لرفع الدعم وليس لضبط الأسعار، ولا للرقابة على الأسواق وأخشى من أن تتسبب سياساته في عدم استقرار الشارع المصري والمرتبط دوماً بأسعار الغذاء وأسعار الوقود والمحروقات!! يكفي أن وزير التموين ترك الأرز المصري كاملاً للتجار ورفض ان تشتريه الوزارة من المزارعين بما أدى إلى وصوله إلى ١٥ جنيها للكيلوجرام، وكان معروضاً على وزارة التموين من المزارعين بسعر خمسة جنيهات ونصف فقط.