الخميس 28 مارس 2024 الموافق 18 رمضان 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
سياسة

بوتفليقة| صبيًا رفع السلاح وقاوم.. عجوزًا رفع الراية البيضاء وتنحى

الرئيس نيوز



بقامة قصيرة وشارب كث يملأ وجهه العريض، كان الشاب عبد العزيز بوتفليقة، بنشاط موفور، يتحرك هناك وهناك وزيرًا لخارجية الجزائر وهو في الخامسة والعشرين من عمره.

وبعد سنوات طويلة من هذا التاريخ، يجلس عبد العزيز بوتفليقة، عجوزًا مريضًا، على كرسي متحرك، وقد تخطى الثمانين من عمره، يتنفس بالكاد، ليتنحى مضطرًا عن الحكم، دون حتى أن يكمل الأيام القليلة المتبقية له في مدته الرابعة في الرئاسة.

فارق كبير بين المشهدين، لكن بوتقليقة الذي قضى نحو 60 سنة في العمل السياسي، كان قد أصبح مهيئًا للغاية لأن تزيحه صيحات آلاف المحتجين عن كرسي الحكم، بسهولة.

مشوار طويل للرجل الذي بدأ حياته صبيًا مقاتلا، يرفع السلاح في وجه المحتل، إلى مجرد جسد قعيد يرفع الشعب صوته في وجهه للرحيل، وعدم احتكار مستقبلهم أكثر من هذا، ليرفع الراية البيضاء ويتنحى.

بمجرد أن أنهى تعليمه الثانوي، في سن التاسعة عشر، انضم عبد العزيز بوتفليقة لجيش التحرير الوطني، وفي وسط احتدام مقاومة الاحتلال الفرنسي، راح الضابط "عبد العزيز" يمارس مهامه العسكرية لمقاومة الاحتلال من الجزائر أو من الجوار في المغرب.

بعد أربع سنوات مقاتلًا، استطاع فيها الجزائريين تحرير أرضهم، عُين بوتفليقة عضوًا في أول مجلس تأسيسي وطني بعد الاستقلال، قبل أن يتقلد أول منصب سياسي رسمي عندما أصبح وزيرًا للشباب والرياضة والسياحة وعمره 25 سنة فقط.

لكن منصبه الأهم كان وزارة الخارجية، والذي ظل فيه يتنقل بين دول العالم باسم الجزائر من العام 1963 إلى 1979.

طوال تلك الفترة كان بوتفليقة وجه الحزائر في الخارج، يطير إلى المشرق والمغرب، يقابل الرؤساء وينقل الرسائل، ودائمًا ما كانت تنطبع على وجهه ابتسامة تلقائية، ولمعة ظاهرة في عينيه.

في العام 1965، عندما قاد هواري بومدين انقلابًا على أحمد بن بيلا، كان بوتفليقة الرجل الثاني بجوار "بومدين"، وهو لم يبلغ الأربعين بعد، وظل هكذا تقريبًا حتى رحيل بومدين في العام 1978.

بعد ذلك، كانت الفترة الأصعب للسياسي بوتفليقة، إذ وُجهت له اتهامات بالفساد والاختلاس، وغادر الجزائر في العام 1981، ولم يعد إلا عندما عفى عنه الرئيس الشاذلي بن جديد في 1987، وعقب ذلك انتخابه عضوا باللجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني.

عندما حانت لحظة الانتخابات الرئاسية في ديسمبر 1998، كانت اللحظة مواتية لبوتفليقة ليصل ما انقطع، فدخل السباق مدعومًا من الجيش، ليفوز بالمنصب، بعد أن أصبح بمفرده في الساحة، إثر اسنحاب منافسيه واحدًا تلو الآخر.

20 سنة كاملة منذ هذه اللحظة لم يترك فيها "بوتفليقة" كرسي الحكم إلا لاعتبارات الترشح والعودة للجلوس مجددًا، الترشح والعودة للجلوس مجددًا، وهكذا أربع مرات.

في الستين جلس على كرسي السلطة الوثير، وفي الثمانين كان هذا الكرسي قد تحول إلى كرسي متحرك، يجلس عليه رجل يبدو غائبًا عن الواقع، الواقع الذي تغير كثيرًا عما يظنه الرجل.