الجمعة 26 أبريل 2024 الموافق 17 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

"حليم".. عاش اللي غنّى

الرئيس نيوز

عاصر ثورة و4 حروب.. ورسم أحلام مصر بصوته الأسطوري

في "الحلوات" بالشرقية وُلد، طفلًا يتيمًا ماتت أمه قبل أن يفتح عينيه للنور، وفي لندن رحل، نجمًا أسطوريًا سيظل صوته خالدًا لسنوات طويلة بعد تلك اللحظة الحزينة في مدينة الضباب.

عبد الحليم حافظ.. وكأنه لم يمت، بنفس الشعبية التي حظى بها في جنازته المليونية عندما غيّب الموت جسده المريض في 30 مارس 1977، هناك في إنجلترا قبل 42 سنة.

47 سنة عاشها "حليم" حدث فيها الكثير في مصر التي انطبعت صورتها على صوته النافذ، غنّى وغنّى وصنع مجده وأسطورته في فترة شهدت تحولات سياسية واجتماعية كبرى على ضفاف النيل، وبطول الوطن العربي.

 تتماس سيرة "العندليب الأسمر" مع تاريخ مصر، وبالأرقام هناك 4 ملك وثلاث رؤساء و4 حروب عاصرها عبد الحليم، لكن لمعانه بدأ عندما قامت ثورة 23 يوليو 1952، ووصل لقمته عندما أسست الثورة نظامها السياسي والاجتماعي.

ملك وثلاثة رؤساء عاصرهم عبد الحليم حافظ طوال حياته التي لم ناهزت على الثلاثة وأربعين سنة، تغيرت فيها نظام الحكم، قامت ثورة  ة وأُعلنت الجمهورية، وقامت أربع حروب.

مجازًا، يمكنك رسم خريطة التحولات في تاريخ مصر على الصوت الأسطوري لعبد الحليم حافظ، منذ غنى "صافيني مرة"إلى أن قال "النجمة مالت ع القمر".

ارتباط وثيق جمع "عبد الحليم" بالثورة، ففي السنة التي قام الضباط الأحرار بحركتهم كان هو في اختبار الإذاعة الذي اجتازه بنجاح، لكنه قوبل بغضب جماهيري عندما لم يستسغ الناس أغانيه التي كانت جديدة عليهم وقتها.

لكنه، عندما استقرت الثورة على السلطة وأزاحت الملك فاروق، وأعلنت الجمهورية في 18 يونيو 1953 كان هو في الحفل يقدم الاغنية مجددًا، لكن هذه المرة نجح، وفهم الناس ان صوتًا جديدًا قد ولد، وأنه سيظل يطربهم ويعبر عن مشاعرهم وأحلامهم طوال السنوات التالية.

بمرور السنوات، عندما توسعت الثورة وانفجرت شعبية الرئيس جمال عبد الناصر صدح صوت عبد الحليم بأغاني عديدة محبةً لـ"أبو خالد" وتأييدًا لشعارات القومية العربية والنهضة الصناعية.

عندما ضُرب المشروع في نكسة 1967 تحالف صوت "حليم" مع عبد الرحمن الابنودي ليغني "عدى النهار"، موالًا يبشر بنهار مصر الآتي رغم الخسارة العسكرية الفادحة، ولتصبح الأغنية رمزًا لأي هزيمة في جولة من معركة كبيرة لا بد فيها من الانتصار.

ثم يواصل ويقسم: "أحلف بسماها"، ويتغزل في صورة مصر الكبيرة على امتداد النهر، يغزل صوته بالتراب ويمرره من الأبواب ومن الدروب، وينشد حلمًا جميلًا بألا تغيب "الشمس العربية" إلى الأبد.

يرحل "ناصر" ويتولى "السادات" الحكم، ويكون على الرئيس الجديد قبل أي شيء تحرير سيناء، وعندما تجئ لحظة العبور يعرف عبد الحليم أن دوره جاء أيضًا، فيغني "عاش اللي قال"، ممجدًا قرار الحرب لاستعادة سيناء.

وبعد سنة يتغزل في سيناء ويغني "صباح الخير يا سينا"، وفي السنة التالية أيضًا يحتفل بإعادة افتتاح مجرى قناة السويس أمام الملاحة العالمية ويشدو "النجمة مالت ع القمر".

لكن المرض يكون قد تمكن من جسده، لم يعد يقف أمام الجمهور ببذلته السبعينية وسماره البادي، لم يعد يقود فرقته الموسيقية الصغيرة، بينما كان عصرًا جديدًا يتشكل ، غير ذلك العصر الذي شبّ عليه صوته.

يغيّب الموت عبد الحليم حافظ في لندن، يغيّبه في الأيام التي تنتهي فيها مرحلة كبرى للمشروع الذي غنّى له كثيرًا، وتذهب مصر إلى توقيع اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل، بينما يذهب صوته إلى عالم الأسطورة الحية، وكأن صوته يلمع أكثر يومًا بعد الآخر.