الخميس 25 أبريل 2024 الموافق 16 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

معركة فكرية بطعم السياسة.. كيف كشف «الإسلام وأصول الحكم» الخلاف بين رفاق ثورة 19؟

الرئيس نيوز

سعد زغلول اتهم المؤلف بهدم قواعد الإسلام.. وعبد العزيز فهمي رفض التصديق على قرار فصله من الأزهر


كان سعد زغلول ورفاقه قد عادوا من المنفى، انطفأت شعلة الثورة وانتقلت من الشارع إلى أروقة البرلمان والوزارة، وتفرق شمل القادة سياسيًا، على خلفية صياغة الدستور، كلٌ في طريق مختلف.

نتحدث عن العام 1925، عندما شهدت مصر جدلًا محتدمًا على خلفية صدور كتاب «الإسلام وأصول الحكم» للشيخ علي عبد الرازق، الذي أحدث هزة فكرية وصلت إلى حد تكفير المؤلف ومصادرة الكتاب.

كان مضمون الكتاب جديدًا على المجتمع في ذلك الحين، حيث أن "عبد الرازق" نادى بفصل الدين عن السياسة، وقال بأن فكرة الخلافة ليست ذات أصل ديني.

زعيم الثورة سعد باشا زغلول، الذي كان في أوج شعبيته، وشكل في العام السابق الحكومة بأغلبية فائقة، اتخذ موقفًا مساندًا للملك فؤاد الذي رأى في الكتاب تهديدًا لمكانته التي كان يسعى لتعزيزها كخليفة للمسلمين.

وبحسب كتاب "سعد زغلول.. ذكريات تاريخية" لمحمد ابراهيم الجزيرى، فإن زعيم ثورة 19، هاجم على عبد الرازق قائلًا: "كيف يكتب عالم دينى هذا الكلام فى مثل هذا الموضوع؟! الرجل جاهل بقواعد دينه، بل بالبسيط من نظرياته، وإلا فكيف يدعى أن الاسلام ليس دينا مدنيا ولا هو بنظام يصلح للحكم؟ فأي ناحية من نواحى الحياة لم ينص عليها الإسلام؟".

يستكمل سعد زغلول منتقدا على عبد الرازق: "أولم يقرأ أن الأمة حكمت بقواعد الاسلام عهودا طويلة كانت أنضر العصور؟ كيف لا يكون الإسلام مدنيا ودين حكم؟".

ويضيف: "الذى يؤلمنى حقًا أن كثيرًا من الشبان الذين لم تقو مداركهم فى العلم القومى والذين تحملهم ثقافتهم الغربية على الإعجاب بكل جديد سيتحيزون لمثل هذه الأفكار خطأ كانت أم صوابا، دون تمحيص ولا درس".

ووصل هجوم سعد إلى درجة اتهام كتاب علي عبد الرازق بالتصدي لـ"هدم قواعد الإسلام الراسخة".

في المقابل، فإن عبد العزيز فهمي باشا، الذي استقال من حزب الوفد في ديسمبر 1920، وشارك في تأسيس "الأحرار الدستوريين" ثم تولى رئاسته، كان يشغل حينها وزيرًا للحقانية (العدل حاليًا)، وعندما جاءه قرار شيخ الأزهر بعزل مؤلف الكتاب ليصدِّق عليه بصفته، رفض التوقيع، لدرجة أن كلفه ذلك الخروج من الوزارة.

قرأ عبد العزيز فهمي - بميوله الليبرالية- الكتاب مرتين وأعجبه، ولما جاءه خطاب شيخ الأزهر رد بوضوح: "لم أجد فيه أدنى فكرة يؤاخذ عليها مؤلفه، ثقُل على ذمتي أن أنفذ هذا الحكم الذي هو ذاته باطل لصدوره من هيئة غير مختصة بالقضاء، وفي جريمة الخطأ في الرأي من عالم مسلم يشيد بالإسلام".

كان رئيس حزب "الأحرار الدستوريين" وقتها يرى أن  كتاب على عبد الرازق تعرض للتأويل وسوء الفهم، وهاجم كل من اتهمه بالخروج من الإسلام.

بناءً على ذلك، نقل الإشراف على وزارة الحقانية لوزير آخر، فجاء القرار الحزبي من "الأحرار الدستوريين" برفض تهميش "فهمي"، واستقال كل وزرائهم من الحكومة.

غرابة المفارقة ليست في أن قيادات الثورة اختلفت فكريًا بهذا الشكل المتنافر فقط، بل في موقف سعد زغلول تحديدًا، إذ كان يرأس حزب الوفد الذي يعتبر قلعة الليبرالية المصرية إلى الآن، في حين يُرجع البعض أصل الخلاف إلى الاختلاف السياسي بين الجانبين، وليس إلى الموقف الفكري في الأساس.