الجمعة 19 أبريل 2024 الموافق 10 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

"أم المصريين".. حكاية أول مظاهرة نسائية في ثورة 19 بقيادة صفية زغلول

الرئيس نيوز




خرجت احتجاجًا على قمع الإنجليز للمتظاهرين.. ضمن 300 سيدة في صفين منتظمين.. والأهالي قابلوها بالتصفيق والزغاريد

يأتي عيد الأم سنويًا لنحيّي فيه كفاح كل أم من أجل زوجها أو أبنائها، ونقدم الهدايا لهن على قدرتهن على صنع الحياة وترتيبها دون انتظار أي مقابل.
لكننا هنا سنتحدث عن معنى أكبر ومختلف للأم، جسدته سيدة مصرية كانت زوجة لأهم زعيم سياسي مصري في النصف الأول من القرن العشرين.. إنها صفية زغلول التي كرمها الشعب بلقب "أم المصريين" وعوضها عن حرمانها من الأبناء.
قبل 100 سنة تحديدًا، وبينما كان زوجها منفيًا في جزيرة مالطة بقوة الاحتلال الإنلجيزي، خرجت صفية زغلول على رأس 300 سيدة مصرية، في أول مظاهرة نسائية في التاريخ المصري الحديث.
تفاصيل تلك المشاركة النسائية الأولى، رصدها المؤرخ الكبير عبد الرحمن الرافعي في مؤلفه الضخم "ثورة 19.. تاريخ مصر القومي من 1914 إلى 1919"، لنكتشف أن "صفية" لعبت دورًا بارزًا في الاحتجاجات التي اندلعت في القاهرة، إلى جانب السيدة هدى شعراوي وسيدات أخريات مثل حرم حسين رشدي باشا، وحرم وكريمة محمود سامي البارودي.
يحكي "الرافعي" أن السيدات خرجن في 16 مارس 1919 لـ"الإعراب عن شعورهن والاحتجاج على ما أصاب الأبرياء من القتل والتنكيل في المظاهرات السابقة".
ويقول الكتاب أنهن خرجن "في حشمة ووقار، وعددهت يربو على الثلثمائة من كرام العائلات"، وقدمن احتجاجًا قدمنه إلى معتمدي الدول الأجنبية في مصر جاء فيه: "السيدات المصريات أمهات وأخوات وزوجات من ذهبوا ضحية المطامع البريطانية يحتججن على الأعمال الوحشية التي قوبلت بها الأمة المصرية الهادئة لا لنذب ارتكبته سوى المطالبة بحرية البلاد واستقلالها..".
ويكمل "الرافعي" واصفًا خط سير المظاهرة: "سارت السيدات في صفين منتظمين. وجميعهن يحملن أعلاما صغيرة، وطفن الشوارع الرئيسية في موكب كبير هاتفات بحياة الحرية والاستقلال وسقوط الحماية، فلفت موكبهن أنظار الجماهير، وأذكى في النفوس روح الحماسة والإعجاب".
وبحسب ما ينقله "الرافعي"، فإن السيدات "قوبلن في كل مكان بتصفيق الناس وهتافهم، وأخذ النساء من نوافذ المنازل وشرفاتها يقابلهن بالهتاف والزغاريد. وخرج أكثر أهل القاهرة رجالا ونساء لمشاهدة هذا الموكب البهيج، الذي لم يسبق له نظير".
تلك المظاهرة فتحت الباب لاحتجاجات نسائية أخرى، فبعد ذلك بأربعة أيام نظم النساء مظاهرة جديدة في 20 مارس، عندما "اجتمعن صباحا بالحديقة القريبة من النيل بجاردن سيتي، ومن هناك سرن ماشيات، وفي مقدمتهن ستة أعلام، كتب على أحدها باللغة العربية "إننا نحتج على سفك دماء الأبرياء العزل من السلاح"، وكتب على الثاني "نحتج على قتل الأبرياء"، وعلى الثالث "نطلب الاستقلال التام". وعلى الأعلام الثلاثة الأهرى هذه العبارات مترجمة إلى الفرنسية... حتى وصلن إلى شارع سعد زغلول، ووقفن أمام "بيت الأمة" هاتفات".
بعد ذلك "أقبلت قوة كبيرة من البوليس ومن الجنود الإنجليز في سيارات مسلحة، فضربوا نطاقا حولهن، وظل الحصار نحو ساعتين، وهن واقفات في الشمس، من منتصف الحادية عشر صباحا حتى الساعة الواحدة بعد الظهر".
وتتباين الروايات الخاصة بواقعة إطلاق لقب "أم المصريين" على صفية زغلول، فالبعض ينقل أن شابًا كان مصابًا في المظاهرات وأبدى رغبته في رؤية أمه قبل ان يموت، فهونت عليه حرم زعيم الثورة قائلة إنها في مكانة أمه وأنه مثل ولدها.
وفي كتاب "نساء ضد التيار.. رائدات العمل النسائي في مصر" يقول هشام نصر أن الأمر يعود إلى البيان التي أصدرته باسمها احتجاجا على نفي زوجها، وألقته سكرتيرتها على جمع من المتظاهرين أمام "بيت الأمة.
وينقل الكتاب أن البيان قال على لسان السيدة صفية: "إن كانت السلطة الإنجليزية الغاشمة قد اعتقلت سعد ولسان سعد فإن قرينته شريكة حياته السيدة صفية زغلول تشهد الله والوطن على أن تضع نفسها في نفس المكان الذي وضع زوجها العظيم نفسه فيه من التضحية والجهاد من أجل الوطن، وأـن السيدة صفية في هذا الموقع تعتبر نفسها أمّا لكل الأبناء الذين خرجوا يواجهون الرصاص من أجل الحرية".
وبحسب الكتاب، فبعد أن ألقت سكرتيرة سعد زغلول هذا البيان على المتظاهرين هتف أحدهم: "تحيا أم المصريين"، لتخلد هذا اللقب رغم مررو قرن كامل في أذهان المصريين، وفي منشآت عامة مثل محطة المترو بالخط الثاني، وبالقرب منها مستشفى عام بنفس الاسم في الجيزة.