الأربعاء 24 أبريل 2024 الموافق 15 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

"Vice".. قصة "نائب الرئيس" الذي غيّر وجه العالم من الظل

الرئيس نيوز

الفيلم يتناول رحلة صعود ديك تشيني في 45 سنة.. ورسالة لمحاكمته مع بوش على جرائم ما بعد 11 سبتمبر

زوجته سر تحوله.. رامسفيلد ملهمه السياسي.. والاستجواب المعزز والإجراءات الاستثنائية موهبته

من الغرق في الفشل والخمور إلى الصعود إلى منصب الرجل الثاني في فترة فاصلة من تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، يتناول فيلم السيرة الذاتية "Vice.. النائب"، ديسمبر 2018، قصة حياة السياسي ورجل الأعمال ديك تشيني،  نائب الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن من 2000 إلى 2008.

الفيلم الذي كتبه وأخرجه آدم مكاي بطريقة سرد مغايرة للأفلام السياسية، وفي أداء مميز لبطليه كريستيان بيل وإيمي آدامز، يبدأ بمشهد لـ"تشيني" شابًا وهو في سيارته مخمورًا على الطريق في بلدته كاسبر بولاية وايمنج في العام 1963، ثم تقفز الأحداث قفزة كبيرة إلى اللحظة التي توقفت أنفاس العالم عندها، في 11 سبتمبر 2001، عند تفجير برجي التجارة العالمية، وهو الحديث الذي سيلقي بظلاله على خريطة العالم في السنوات التالية.

نجد ديك تشيني يهرول مدفوعًا بحرسه الخاص الذي تولى إنقاذه عبر أنفاق سرية بينما برج التجارة يحترق في الخلفية.

هناك في مركز عمليات الطوارئ بدا الجميع مصدومًا مما يجري؛ كيف تطال أيدي هؤلاء الولايات المتحدة في قلبها، بينما "تشيني" هادئ تمامًا، ذلك الهدوء الذي يكتم مشاعر وأفكار كثيرة.

يتصل وزير الدفاع دونالد رامسفيلد طالبًا تفويضًا للتعامل مع أي طائرات عدائية، فيعطيه "تشيني" الإذن، وقبل أن يتأكد "رامسفيلد" من أن هذه الأوامر بعلم الرئيس يضغط تشيني على الحروف بثقة: "كل الأمور هنا رئاسية"، في إشارة إلى مدى السلطة والنفوذ الذين كان يتمتع بهما وهو في الظل خلف بوش الابن.

في تلك اللحظة كان تشيني يفكر فيما هو أبعد، في مصير علاقة الولايات المتخدة بالعالم. نسمع صوت الراوي في الفيلم يقول: "وفقًا لجميع الحسابات التي رآها الناس في تلك الغرفة، في ذلك اليوم الفظيع، إذ كان هناك ارتباك وخوف وحيرة، لكن تشيني رأى شيئًا آخر لم يره أي أحد، لقد رأى فرصة. فبينما أصبح العالم متربكًا أكثر، ونميل للتركيز على الأمور الموجودة أمامنا، فإننا نتجاهل القوى الكبيرة التي تغير وتشكل حياتنا حقًا".

"تشيني" كان واحدًا من تلك القوى الكبيرة، فبعد أن كان مجرد طالب ورياضي متوسط المستوى، أصبح رجل الظل الذي يدير السياسة الأمريكية المجنونة في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين.

لكن ثمة شخص يقف وراء هذا التحول المصيري في حياة "تشيني"، إنها زوجته "لين"، المرأة التي كانت تدفع به رويدًا رويدًا إلى أن يصبح في تلك المكانة.

في شبابه، منتصف الستينيات، ساعدته "لين" في الحصول على منحة دراسية في جامعة بيل، لكنه "كان يحتسي الخمر أكثر من حضوره للصف"، إلى أن طُرد وعاد إلى وايمينج، ليعمل في خطوط هواتف الولاية.

في تلك الفترة واجهته "لين" بما لديها في حسم: "إما أن تصبح شخصًا آخر وإلا سأرحل"، رد "تشيني": "لن أخذلك أبدًا"، لتبدأ رحلتهما معًا في أروقة السياسة في الدولة الأقوى.

التحق "تشيني" الشاب ببرنامج التدريب في الكونجرس في واشنطن 1968، وهناك وجد أمامه ملهمه دونالد رامسفيلد، وسمعه يقول: "إذا كان تدريبكم على صنع القرار في أقوى بلد في العالم لا يمنحكم القوة، ماذا سوف يمنحكم!".

اختار ديك تشيني الحزب الجمهوري فقط لأن "رامسفيلد" فيه، وسريعًا عمل مساعدًا للرجل الذي كان مستشارًا للرئيس ريتشارد نيكسون.

كان "تشيني" بحسب الفيلم "طالبًا ورياضيًا متوسط المستوى، لكنه أخيرًا وجد نداء الحياة، أن يصبح خادمًا متواضعًا للسلطة".

يكشف الفيلم كواليس إدارة السياسة الأمريكية، ومثال على ذلك عندما نجد "رامسفيلد" يشرح لـ"تشيني" كيف يخطط نيكسون مع مستشاره هنري كسينجر لقصف كمبوديا دون أي اعتبارات لرأي الكونجرس.

بعد رحيل نيسكون، وبالتبعية رحيل رامسفيلد، عمل "تشيني" في العام 1973مستشارًا سياسيًا لشركة مالية كبيرة، لكنه سرعان ما عاد مجددًا إلى دوائر السلكة في فترة حكم جيرالد فورد.

هنا ظهرت موهبته أكثر، موهبة "القدرة على صنع أكثر الأفكار الوحشية والمتطرفة"، واستكشاف نظرية "السلطة التنفيذية الموحدة"، والتي تستطيع تأويل أي قرار للرئيس، خصوصا في أوقات الحروب، على أنه إجراء قانوني، للدرجة التي جعلت "فورد" يتجاهل رأي الثعلب السياسة "كسينجر" ويستمع لنصائح "تشيني" في التعامل مع السوفييت.

في تلك الفترة كان "تشيني" رئيسًا للأركان، بينما قفز أستاذه دونالد رامسفيلد لمنصب وزير الدفاع، لكنهما أيضا سرعان ما خرجا من من المشهد عندما جاء جيمي كارتر. ثم أصبح عضوًا في الكونجرس إبان فترة الثمانينيات، وعندها سيظهر في الفيلم لأول مرة جورج بوش الابن، مخمورًا تائهًا مدللًا، على النقيض تمامًا من "تشيني" الهادئ الرتيب.

ثمة لحظة فكر فيها "تشيني" في الترشيح للرئاسة، لكن استطلاعات الرأي الأولية أظهرت تدني شعبيته، بسبب أزمة الميول المثلية لإحدى إبنتيه، ربما لذلك اتخذ القرار الذي لم تكن تميل إليه زوجته "لين"، وهو أن يوافق على عرض بوش الابن بأن يدخل معه سباق الرئاسة كرجل ثانٍ.

يتكون ثنائي "بوش- تشيني"، رجل مدلل مجنون يتصدر المشهد وكهل هادئ مخضرم قابع في الظل، وينطلقان مما حدث في 11 سبتمبر لفرض كلمتهما على العالم. إنها الفترة التي تجلّت فيها "مواهب" ديك تشيني "الوحشية والمتطرفة"، في الضغط لدفع بوش لاحتلال العراق واستحداث ما يُعرف بـ"أساليب الاستجواب المعزز"، وقبل أي شيء، في هدوئه ودهائه اللذين مكناه من رسم سياسة غير مبالية بأي اعتبارات ديمقراطية وإنسانية.

في نهاية الفيلم، بعد أن يظهر "تشيني" في مقابلة تليفزيونية رافضا ًأن يعتذر عن أخطاء فترته، يحرض صناع "Vice" على أن هناك وثائق تدين الثنائي "بوش- تشيني" قابعة في المحكمة إلى الآن، وأن أي رئيس بإمكانه محاكمتهما على ذلك، بشرط أن يريد فعل ذلك.

"احذروا الرجل الهادئ، بينما يتحدث الآخرون هو يشاهد، وبينما يتصرف الآخرون هو يخطط، وعندما يرتاحون أخيرًا هو يهجم"، هذه المقولة على لسان مجهول، والتي ذكرها الفيلم تجسد الجانب الأعظم من شخصية ديك تشيني، الرجل الذي "غير مسار تاريخ ملايين الأرواح للأبد، وفعل هذا كأنه شبح".

رجل لديه "القدرة على صنع أكثر الأفكار الوحشية والمتطرفة"، ورغم أنه بدا للجميع "نائب الرئيس البيروقراطي الرتيب" فإنه حقق موقع نفوذ لم يحظ به إلا عدد قليل من القادة في تاريخ أمريكا.