الجمعة 29 مارس 2024 الموافق 19 رمضان 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
عرب وعالم

مصر تتحسَّب لفراغ سياسي في السودان وتتعجل استئناف مفاوضات السد

الرئيس نيوز

ظلت السودان على مدار التاريخ امتداداً للأمن القومي المصري، ومن المؤكد أن ما يحدث في السودان يؤثر بصفة مباشرة على مصر، الأمر الذي يثر العديد من المخاوف من تأثير الاحتجاجات التي اندلعت في السودان منذ 19 ديسمبر 2018، على مصر سياسياً وأمنياً.

مثّلت زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري، ورئيس المخابرات العامة اللواء عباس كامل، إلى العاصمة السودانية الخرطوم، محطة فارقة في علاقة البلدين ،حيث انتهت الزيارة بإعلان القاهرة دعمها الكامل للخرطوم، والذي جاء في توقيت مهم في ظل الأجواء والاحتجاجات المتصاعدة في السودان على خلفية رفع الأسعار ديسمبر الماضي.

فيما يتعلق بالسودان فإن ملف التنسيق الأمني بين حكومتي الخرطوم والقاهرة شهد مناقشات عديدة طيلة الأشهر الستة الأخيرة بداية من زيارة وزير الدفاع السوداني عبدالرحيم حسين إلى القاهرة يناير الماضي، وأيضا أثناء زيارة الرئيس السيسي للخرطوم وزيارة مسؤولين سودانيين إلى القاهرة.

وفي حين لم تتوقف الهجمات وعمليات التفجير التي تستهدف الجيش والأمن المصري في شبه جزيرة سيناء منذ سقوط  جماعة الإخوان، قال الرئيس عمر البشير، خلال لقاء مع الرئيس عبدالفتاح السيسي أواخر يناير الماضي: "كان لمصر دور مهم في استقرار السودان".

وبينما تتركز الجهود الأمنية المصرية على تجفيف منابع الجماعات الإرهابية في سيناء، بقطع طرق إمداد السلاح والبشر إليها، خاصة من الجنوب عبر الصحراء الشرقية، تمثل الحدود "المصرية - السودانية - الليبية" أحد الثغرات  التي تشكل خطراً كبيراً على الأمن القومي المصري، وما يعانيه هذا المثلث من توترات كبيرة، خاصة في الحدود المتاخمة لليبيا، نظراً للانفلات الأمني الذي يوجد داخل الأراضي الليبية.

بدوره، قال الخبير في الشؤون الإفريقية، سامي السيد، لـ"الرئيس نيوز" إن مصر تنحاز إلى استقرار السودان، وتدعم البشير لخشيتها من أن يؤدي اختفاؤه من دون ترتيبات تحضيرية سليمة، إلى تحويل السودان إلى دولة تعمها الفوضى، وأضاف قائلاً: "تركيبة السودان العرقية المُعقدة والانقسامات القبلية والأعمال العدائية مع دولة جنوب السودان، هي أسباب تثير مزيدًا من القلق المصري، حال اختفاء البشير فجأة"، مشيراً إلى أن الفراغ المفاجئ للسلطة في السودان يعني سيناريوهات محتملة من الفوضى في بلد يقع على نهر النيل ولديه موقع  استراتيجي على البحر الأحمر.

من جانبه، اعتبر مدير "وحدة السودان وحوض النيل" في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، هاني رسلان، التطور الحالي في علاقات القاهرة والخرطوم، تطوراً ذي دلالات عديدة، في ظل توقع بأن يكون الوفد المصري نقل معلومات أمنية إلى الجانب السوداني، لأن جميع المؤشرات تتجه إلى تدخل جماعات وأصابع خارجية في أحداث الخرطوم، كاشفاً عن أن أجهزة الأمن المصرية لديها معلومات بشأن الأحداث الجارية في السودان، وطبيعة التدخلات الخارجية والأطراف المتورطة، لافتًا إلى أن البلدين يعززان حالياً التعاون الأمني لمواجهة التحديات الإرهابية والمخاطر الأمنية الكبرى.

أضاف رسلان:"التطور الحالي نتيجة طبيعية لمواجهة تهديدات الجماعة الإرهابية، عبر الحدود الجنوبية المصرية، وتعزيز التعاون والتدريب العسكري في هذه المناطق"، لافتاً إلى أن مصر تواجه تحديات أمنية عبر الحدود الشرقية والغربية والجنوبية.

"مصر تواجه تحديات وجودية من الناحية الجنوبية، وحالة التركيز المصري على الشرق ابتعدت بمصر عن التهديدات الجنوبية"، هكذا بدأ الدكتور خالد فهمي، الخبير في الشؤون الافريقية والعسكرية، حديثه لـ"الرئيس نيوز" قائلاً:

"من الناحية الجغرافية يُعد الجنوب من أهم الامتدادات الاستراتيجية لمصر، إن لم يكن أهمها على الإطلاق، ونستند في هذا الادعاء على الاعتماد المصري على مورد مياه النيل كمصدر للحياة، وارتباط النشاط الإنساني المصري بمياه النيل منذ وقت تأسيس الدولة المصرية القديمة، واستمر هذا حتى يومنا، ونجد أن السواد الأعظم من المصريين يقطن على ضفتي النهر، وحتى من الناحية التاريخية، نجد أن ازدهار الدولة المصرية في عصر الدولة القديمة والدولة الحديثة (محمد علي وأبناؤه) ارتبط بسيطرة مصر على منابع النيل في الجنوب، ما أتاح لمصر الشروع في عملية تنموية واسعة قادت مصر نحو الهيمنة الإقليمية، وهي مرات استثنائية في التاريخ المصري".

يشار إلى أن الاحتجاجات الشعبية فى السودان ألقت بظلالها على مجرى المحادثات المتعلقة بقضية سد النهضة المائي، الذي تبنيه أثيوبيا وتتخوف القاهرة من تأثيره على حصتها السنوية من المياه 55 مليار متر مكعب، حيث تم تأجيل استئناف مفاوضات سد النهضة، والتى كان مقرراً لها مطلع شهر مارس الجاري، بطلب من الحكومة السودانية،  نظراً لتوتر الأوضاع في البلاد جراء الاحتجاجات الشعبية.

كما ألغي الاجتماع الثلاثي بين إثيوبيا ودولتي المصب "مصر والسودان"، والذى كان مقرراً عقده في القاهرة، على مدار يومين، في الثاني والثالث من مارس الجاري، لعرض وزراء الخارجية والمياه للدول الثلاثة أعمال اللجان الفنية المستقلة لكل منهم.

 

المعروف أن السودان ظل لفترة طويلة يعد ممراً للأسلحة والأفراد إلى مصر، حيث تم تهريب كل شيء عبر الحدود من الطعام إلى البشر والجِمال مروراً بالسلاح، وذلك عبر شبكة طرق وعرة إلى الصعيد "جنوب مصر"، ومنها إلى السويس ـ إحدى مدن القناة ـ عبر جبل عتاقة، وصولاً إلى مناطق شمال سيناء الحدودية مع إسرائيل.