الخميس 28 مارس 2024 الموافق 18 رمضان 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

رئيس الوقف السنى العراقى: العرب والمسلمون دفعوا ثمن الإرهاب من كرامتهم ودمائهم.. ونحتاج دعمًا كبيرًا لإعادة الإعمار

الرئيس نيوز

- الدكتور عبداللطيف الهميم قال إن بعض الدول المساندة للإرهاب فرملت دعم الجماعات خوفًا من ارتداد الهجمات عليها
- المؤسسة الدينية اُختطفت من أقلية فكرية فى كل الدول العربية
- الأمم الغبية تترك مصالحها للصدفة.. ولن يكون هناك جيل خامس من التنظيمات
- نجحنا فى توحيد الخطبة على منابر العراق وقطعنا شوطًا فى تنقية المناهج
- الحياة ليست وردية ولكننا نجحنا أن نضع العربة على الطريق والدماء وحّدت الجميع


لا يخفى على أحد أن المحافظات التى تمركز فيها تنظيم «داعش» الإرهابى فى العراق، واضعا أسس خلافته المزعومة، كانت بيئة حاضنة ومشجعة لاحتضان جذور الدولة الإرهابية، وسارع الكثير من العائلات إلى الانضمام طواعية ليصبحوا رعايا فى دولة البغدادى، ودفعوا بأولادهم ليكونوا جندا فى دولة الخلافة، اعتقادا منهم أن ذلك هو الإسلام الصحيح، وأن تلك هى حدود الله وأوامر رسوله، آمنوا بأفكار متطرفة تبرر العنف والقتل وبغض الآخر، وتكفير واستباحة دماء وأعراض الآخرين.
مشاهد بعض الأهالى والأطفال وهم يبكون يوم هزيمة البغدادى وتحرير مدنهم، مشهد يحتاج إلى تحليل دقيق، عملية «فورمات كامل» إذا جاز التعبير لتلك العقول التى تلوثت والنفوس التى فسدت، وإلا فإننا ندور فى دوائر مغلقة، وإن الهزيمة العسكرية للتنظيم ما هى إلا جولة فى جولات كثيرة مقبلة، تتجدد فى كل مرة تتوافر فيها الفرصة.
أبو بكر البغدادى أعلن خلافته من على منبر مسجد النورى بقلب الموصل، بالتنقيب فى السيرة الذاتية لخليفة دولة الإرهاب نجد أنه أحد أبناء مدينة سامراء العراقية أى أنه وليد البيئة العراقية وليس دخيلا عليها، وهو خريج كلية الشريعة الإسلامية فى جامعة بغداد وحصل منها أيضا على البكالوريوس فى الدراسات القرآنية، وبعدها على الماجستير ٢٠٠٢، وتمحورت رسالته حول موضوع تلاوات القرآن الكريم، وبعد ذلك نال شهادة الدكتوراه ٢٠٠٦ فى الاختصاص ذاته، النقطة الأهم فى سيرة البغدادى والتى يجب التوقف أمامها كثيرا أنه كان إماما وخطيبا فى أحد مساجد بغداد، وهو المنبر الذى استطاع أن يحشد منه آلاف الأتباع.
دولة البغدادى هى نتاج ما تلقاه على مدار أعوام من طفولته وشبابه ودراسته، ليعود ويبثه على نفس المنابر، وكأنه يقول «ها هى بضاعتكم رُدت إليكم»، فما تلقاه من تطرف أعاد إنتاجه لآلاف غيره.
ما ينبغى الالتفات إليه هنا هو المدرسة والمسجد، لذلك كان مهما خلال زيارتى أن أسأل هل يتم تصحيح الأخطاء حتى لا تنتج مدارسنا وجامعاتنا ومساجدنا ألف بغدادى جديد، وحتى لا تحمل منابرنا رسائل المزيد من مجاذيب الخلافة؟.
- حملت كل التساؤلات إلى الدكتور عبداللطيف الهميم، رئيس الوقف السنى بالعراق، والذى تقع على عاتقه مسئولية المدارس الدينية، التعليم الأزهرى، مساجد أهل السنة، دائرة أوقاف بغداد، مركز البحوث والدراسات الإسلامية، كلية الإمام الأعظم، الدائرة القانونية، دوائر وملاحظات أوقاف المحافظات، دائرة الأضرحة والمقامات والمراقد الدينية العامة، الدائرة الإدارية والمالية، الدائرة الهندسية، دائرة التعليم الإسلامى، تنظيم شئون إدارة الأوقاف والإشراف عليها ومراقبتها وفق الأوجه الشرعية.
الدكتور الهميم ليس مجرد شاغل لمنصب، لكنه أحد أهم القيادات السنية فى العراق، فله تاريخ عائلى ذات تأثير كبير فى الحياة السياسية والدينية، كما أنه أحد أبناء الأزهر وحاصل على شهادة الماجستير فى الشريعة والقانون من جامعة الأزهر والدكتوراه من جامعة بغداد.

■ ما الإجراءات التى اتخذت تجاه الأهالى فى المحافظات التى اختطفها تنظيم داعش؟ 
- وضعنا خطة من مستويات عدة فى المدن التى اختطفها داعش فى الموصل وسائر المدن الأخرى، المستوى الأول من الخطة هو «التعبئة الجماهيرية» ونجحنا فى أن نجعل هذه المناطق بيئة طاردة للإرهاب وليست بيئة حاضنة له، واستطعنا أن نجنى ثماره فى تحرير كل تلك المناطق.
المستوى الثانى، على مستوى المنبر واستطعنا أن نوحد الخطاب فى كل المساجد وبطريقة مرنة، ولا يوجد لدينا خطبة نشاز فى كل المناطق المحررة أو التى لم يختطفها الإرهاب، أو خارجة عن السياق الوطنى العام، وهذا منجز كبير جدا، «الخطاب اليوم موحد».
المستوى الثالث أن يكون للمؤسسة الدينية هدف محورى مركزى واستراتيجى، بمعنى أن يكون جزء من المهام الأساسية للمؤسسة الدينية بالكامل «أمن المجتمع» وسلامته، ولن تنجح فى ذلك إلا بمجموع من الحزم لمواجهة التطرف والترسيخ للتعايش ومواجهة الانقسام وخلق بيئة رفض الطائفية، مضيفا أن المؤسسة الدينية اليوم فى العراق أصبحت تعرف جيدا أهدافها الإستراتيجية والإنسانية ودورها فى الحماية المجتمعية.
فالمؤسسة الدينية تم اختراقها فى كل البلدان والدول العربية، وفى مرحلة من المراحل اختطفت شأنها شأن المدن التى اختطفها الإرهاب فى كل البلدان العربية، من قبل أقلية متطرفة فكريا، ما تسبب فى كل هذا الدمار فى العراق وفى كل الدول العربية، وذلك لأن المؤسسة الدينية لم يكن لها أهداف استراتيجية تعمل عليها.
■ ما خطوات إصلاح التعليم الدينى سواء الأساسى أو الجامعى؟
- على المستوى التعليمى فإن ٢٤٠ مدرسة دينية تؤهل إلى الكلية تقع تحت مسئولية الوقف السنى، كما يتبعنا جامعة بها ٤٢ قسمًا للدراسات الإسلامية تؤهل للحصول على البكالوريوس والماجستير والدكتوراه.
وعلى مستوى إدارة المساجد فإن ١٢ ألف مسجد فى عموم المحافظات يديرها الوقف السنى، كما أنه لدينا مركزا للدراسات والبحوث الاجتماعية والسياسية معنى بالدراسات الإنسانية والاجتماعية واحتواء آثارها، ومركز «وعى» متخصص فى تدريب الأئمة والخطباء. 
بدأنا رحلة الإصلاح فى التعليم الدينى منذُ ثلاث سنوات وكان شغلنا الشاغل هو تنقية المناهج الدراسية من المفردات التى تحرض على الكره والطائفية والتكفير، وقد نجحنا فى ذلك واتخذنا قرارات جريئة وشجاعة فى إصلاح التعليم الدينى، بتنقية المناهج من أى ما يتعلق بمهاجمة دين أو طائفة أو مذهب، وكل ما يحض على العنف أو التكفير، وهذه مرحلة تم إنجازها بكفاءة والآن مناهجنا نظيفة.
نحن نهتم بعملية إصلاح التعليم، لأننا نعتقد أن القيادات الاجتماعية والدينية هى مخرجات التعليم، بحيث لو كانت مدخلات التعليم جيدة فإن المخرجات ستكون جيدة والعكس صحيح، وإذا كانت المدخلات سيئة فإن المخرجات ستكون سيئة، وبالتالى نحن معنيون على مستوى العراق بعملية إصلاح شامل وهى عملية كبيرة واتخذنا إجراءات جريئة وشجاعة.
وما زلنا نعمل على تحديث المناهج فى إطار الرؤية التجديدية لمشيخة الأزهر التى يتبناها الشيخ أحمد الطيب ونعمل بشكل مستمر ومتواصل. و‎الأمم الحية هى القادرة على تصحيح ذاتها فى لحظة فارقة من الزمن وإن محورية صنع الذات تكون بعملية التنشئة التى تبنى الأمم القوية، كما أن التربية هى المحور الأساس فى بناء الشعوب.
■ ماذا عن تأهيل خطباء المساجد؟ 
- تلك هى المرحلة الثانية فهى إعداد «عالم المستقبل» الذى يأتى كنتيجة طبيعية لعملية إصلاح التعليم الدينى بإيجاد عالم دين قادر على مواجهة العصر ويستجيب لشروط الواقع، ولدينا ٥٠٠ طالب عراقى الآن فى الأزهر يمثلون ركن الأساس فى مشروع عالم المستقبل، فنجن نريد عالما مستنيرا يتماشى مع العصر وشروط الواقع.
خلال السنوات الثلاث الماضية اتخذنا خطوات كبيرة فى إعادة تأهيل الخطباء، وكان همنا الأكبر إعادة صياغة الخطاب، لأننا الآن فى مرحلة تحول كبير لتوجيه خطاب لأهالى المدن المحررة والتى تم اختطافها من قبل داعش وكنا بحاجة إلى ترشيد الخطاب.
وما نعمل عليه فى الوقت الحالى هو لغة الخطاب والخطيب، وتجديد الخطاب الدينى، فالمشكلة ليست فى المتلقى فالأخير عبارة عن كأس نضع فيه ما نشاء، أن نضع فيه ماء أو نضع فيه سما، فالإشكالية فى الخطابة والخطيب.
■ ما جهود المؤسسة الدينية فى إنهاء حالة الصراع الطائفى بين مكونات المجتمع العراقى المتعددة؟
- المؤسسة الدينية السنية لم تنجح فى العراق على مستوى الجماعة السنية فقط، ولكنها استطاعت أن تغير المزاج العام للمواطن العراقى فى تقبل الآخر، كردى وشيعى وسنى وأى طوائف أخرى، استطعنا أن نخلق جوا من التسامح والتعايش وإننا نفخر أننا استطاعنا فعل ذلك.
فالمزاج العام العراقى يختلف بالكلية منذ ٤ سنوات، والطائفية أصبحت غير مقبولة فى العراق، بل أصبحت على الهامش، ونجحنا فى فترة زمنية قصيرة، وفى البدايات لم أكن أعتقد أنه يمكننا أن نصل إلى ما وصلنا إليه.
صحيح أن الحالة ليست وردية ولكن على الأقل استطعنا أن نضع العربة على الطريق، والدم الذى سال من كل العراقيين شيعة وسنة وكردا، هذه التضحيات الكبيرة استطاعت أن توحد العراقيين.
أنا مطمئن جدا على مستوى المؤسسة الدينية فى العراق ولكن على المستوى الإعلامى لست متفائلا، نحتاج فى الخطاب الإعلامى إلى وعى، وأيضا على المستوى السياسى فإن السقف هبط كثيرا، ونحتاج إلى إجراء تغييرات جوهرية، وعلى المستوى الاقتصادى نحتاج إلى إصلاحات كبيرة جدا.
■ هل ننتظر جيلًا جديدًا من التنظيمات الإرهابية بعد داعش؟ 
- لن يكون هناك جيل خامس إذا أحسنّا التصرف، الأمم الحية التى لا تترك مصائرها للصدفة، وإلا تكون أمما غبية، ولأننا فى مرحلة ما تركنا مصالحنا للصدفة فقد وصلنا إلى لما وصلنا إليه فى العراق وسوريا وليبيا.
وأعتقد أن التجربة عميقة وكبيرة وقاسية للعرب والمسلمين، دفعنا ثمنها باهظا على المستوى المادى من دماء وشهداء ودفعنا ثمنا باهظا من كرامتنا وكذلك من عملية التنمية.
ولو كنا عالجنا الجيل الأول من الجماعات الإسلامية والقاعدة وبوكو حرام لما وصلنا إلى الجيل الرابع لداعش.
التجربة غنية جدا وفارقة، ولن نعود إلى المربع الأول أبدا، وأنا أراهن أن المناخ والبيئة والمجال الحيوى كل ذلك أصبح طاردا للإرهاب والأمر ليس كما كان فى السنوات الماضية، فالكل أدرك حجم المأساة.
ولكن مازلنا نحتاج إلى عمل كبير مبرمج وعلى مستويات سياسية واقتصادية وفكرية وثقافية وهناك دوافع مختلفة للإرهاب وليس سببا واحد وتختلف من مكان لآخر.
■ ما أوجه التعاون بين الوقف السنى والأزهر الشريف؟ 
- التعاون بيننا وبين الأزهر كبير جدا، لأننا نؤمن أن مشيخة الأزهر هى منارة العالم الإسلامى، بكل ما تمثله من رمزية للإسلام الوسطى وما ترسيه من دعائم فى هذا الاتجاه.
ولدينا تعاون فى كافة المجالات أولها الدراسة الأولية والجامعية ولدينا الآن ٥٠٠ مبعوث فى مختلف التخصصات وهى منحة كاملة على نفقة الأزهر ضمن اتفاقية تضمنت منح ديوان الوقف السنى (٥٠٠) مقعد دراسى للبكالوريوس، و(١٠٠) مقعد للدراسات العليا.
والأزهر الشريف كان كريما معنا جدا، وأريد أن أسجل شكرى وامتنانى لكل كادر الأزهر الشريف وجامعته وعلى رأسهم الشيخ أحمد الطيب، إضافة إلى تقديم (١٥) منحة من جامعة الأزهر الشريف للحصول على شهادة الدكتوراه فى العلوم الشرعية.
كما لدينا تعاون كبير مع دار الإفتاء، ونتدارس فى معظم الأوقات كل المشاكل والأزمات التى تمر بالجماعة السنية بالعراق وبالعالم الإسلامى.
كذلك هناك تعاون كبير على مستوى التدريب، وهناك تعاون كبير لمحاربة الإرهاب بيننا وبين مشيخة الأزهر ودار الإفتاء والأوقاف وكل المؤسسات المعنية بوضع تلك الاستراتيجية، لأننا نعتقد أنه يمكن محاصرة داعش أمنيا والقضاء عليه بالقوة، ولكن المشكلة ليست فقط أمنية أو عسكرية ولكن لها أبعاد فكرية وثقافية واقتصادية أيضا.
■ ما آخر المستجدات فى ترميم وبناء المساجد التى اعتدى عليها داعش؟
- نحتاج إلى دعم كبير لإعادة الإعمار لمساجدنا فقد أصيبت بأضرار كبيرة وبالغة، وكذلك المدارس الدينية والكليات فى كثير من المحافظات، فالبنية التحتية تضررت بشكل كبير ونحتاج إلى دعم حقيقى وجدى، ونحاول الآن بإمكانياتنا الذاتية بقدر المستطاع ولكنها غير كافية.
■ هل أسهم غياب التعاون بين الدول العربية فى تقوية «داعش»؟
- أتفق معك تماما، فلولا التسهيلات التى أعطيت لداعش لما استطاع التنظيم الإرهابى أن يحقق ما حققه فى العراق، كانت هناك تسهيلات أعطيت لهذا أيضا، فى مرحلة ما، ولكن أعتقد أن كل الدول الداعمة للإرهاب أصبحت مدركة أنه سيضربها فى لحظة من اللحظات ولهذا فكثير من الدول «عملت فرملة» فأصبحت تلك التنظيمات الآن أضعف بكثير من الأوقات السابقة.
كذا فإن تلك الدول واقعة تحت ضغط أن يضربها الإرهاب وبدأت تعيد النظر فى هذا الموضوع، والضغوط هنا سياسية أو اقتصادية أو دولية.