السبت 27 أبريل 2024 الموافق 18 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
عرب وعالم

أحداث البحر الأحمر الأخيرة تجدد الأسئلة حول تآكل نفوذ الإمبراطورية البريطانية

الرئيس نيوز

جددت أنباء الهجمات التي طالت عدد من السفن في الأسابيع الماضية في البحر الأحمر الأسئضلة المكهمة عن غروب شمس الإمبراطورية البريطانية، فلم يكن لرئيس الوزراء الأسبق ويليام جلادستون، أو خلفه بينجامين دزرائيلي - في القرن التاسع عشر- ليسمحا بذلك أبدًا إبان بريطانيا القوية.

ووفقًا لصحيفة ذا ناشيونال الأسكتلندية، أخذت البحرية البريطانية الملكية على محمل الجد واجبها المتمثل في توفير "الأمن لأولئك الذين يمرون في البحار لأغراض مشروعة"، على رأسها التجارة، وكانا يحرصان على إرسال طراد أو اثنين لحماية السفن العابرة، وكان من الممكن أن يختصر الأمر في تهديد رجال القبائل المتحاربين باحتجاز سفن التجارة العالمية للحصول على فدية.

وكان البحر الأحمر بريطانيًا إمبراطوريًا مثل نهر التايمز، في قلب العاصمة لندن، دون فرق، وكان هذا الممر التجاري الحيوي تحت حراسة مصر من جهة، ومن جهة أخرى محمية عدن، وكلاهما محميتان بريطانيتان. فقد استولى الجيش البريطاني على أراضيها، وأديرت شعوبها تحت الوصاية البريطانية، ليس بسبب أي قيمة جوهرية تتمتع بها هذه البلدان، ولكن ببساطة لأهميتها الاستراتيجية على جوانب الممرات البحرية المؤدية إلى الهند.

وكان الشيء نفسه ينطبق على البحر الأبيض المتوسط؛ فقد كان بحرًا بريطانيًا من الشاطئ إلى الشاطئ  وتولت القاعدة البحرية البريطانية في الإسكندرية حراسة السويس وأغلقت البحرية الإمباطورية مضيق جبل طارق لعيبر من يعبر بإذن ومباركة لندن، وفي المنتصف، كانت مالطا وقبرص تعني أن السفن البريطانية لم تكن بعيدة أبدًا عن علم الاتحاد، وتتمتع بمحطة فحم آمنة، ووصلة تلغراف إلى لندن.

ولكن أمر التاريخ حتمي وواجب النفاذ، فقد غادرت بريطانيا الهند في عام 1947. وتم طرد قواتها من مصر في عام 1956، ثم انسحبت من عدن في عام 1967، وبالنسبة لبعض المنتامين إلى جيل الطفرة السكانية الذين صوتوا لحزب المحافظين، لا يزال ذلك في الذاكرة الحية ولكن من الناحية الجيوستراتيجية، فيبدو أن العالم يمر بعصر آخر مختلف، كانت بريطانيا ملكة الأمواج في عالم آخر، عالم مضى عليه زمن طويل.

ويحب اليسار واليمين الجدال حول طبيعة وإرث الإمبراطورية البريطانية، لكن الحقيقة التي يجب على كليهما الاعتراف بها هي أن الإمبراطورية قد انتهت ولا يمكن للبريطانيين أن يستمروا في العيش في ذلك الماضي.

ونشر سايمون ماكدونالد، السكرتير الدائم السابق في وزارة الخارجية، مؤخرًا كتابًا بعنوان (ما وراء بريطانيا: إعادة تشكيل السياسة الخارجية للمملكة المتحدة)؛ يرى فيه أن المملكة المتحدة يجب أن تتراجع عن أوهام القوة العظمى، من خلال بيع حاملات الطائرات والتخلي عن الردع النووي، وتقليص البحرية الملكية، والتخلي عن مقعد المملكة المتحدة الدائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

وقد قوبلت توصيات كتابه بصيحات الازدراء المعتادة من كتاب الأعمدة اليمينيين في الصحف اللندنية ويتساءلون: "كيف يجرؤ موظف مدني كبير سابق، وكبير دبلوماسيي المملكة المتحدة في الواقع، على اعتناق مثل هذه الآراء المشينة؟".

ولعل سايمون ماكدونالد يقدم ذلك النوع من الواقعية التي لا تخلو من مرارة والتي تفتقر إليها المملكة المتحدة اليوم بشدة في سياستها، وينبغي الاعتراف اليوم بأنه وفقًا لماقييس اليوم فإن المملكة المتحدة لم تعد قوة عالمية وليس من المثير للإعجاب التظاهر بخلاف ذلك؛ إنه أمر محرج، وحزين، ومأساوي.

وكان هذا واضحًا في سبعينيات القرن العشرين ــ في وقت كانت البحرية الملكية لا تزال ثالث أكبر بحرية في العالم، وحين كان حجم الاقتصاد البريطاني أكبر بعدة مرات من حجم الاقتصاد الصيني ولكن الآن ــ الطبقة السياسية البريطانية على أية حال ــ عادت إلى التفكير غير الواقعي، وإلى خيالات العظمة ومن يجرؤ ولو على تصور بريطانيا بأي مصطلح آخر غير العظمة قد يُنظر إليه على أنه خائن!.

ويرى الغالبية من البريطانيين أنه يجب على المملكة المتحدة، في الحديث السياسي، أن تكون دائمًا "رائدة عالميًا" و"متفوقة على العالم"؛ حسنا جيد ولكن الأرقام تضحد هذا الرأي، فلدى بريطانيا اليوم تكاليف طاقة محلية ساخنة وعنيدة على مستوى العالم ومخلفات الأنهار تتفوق على المستويات المسجلة عالميًا.  

وأضافت صحيفة ذا ناشيونال أن المملكة المتحدة قررت في وقت ما أن تتصالح مع وضعها الجديد وحقائق ما بعد الاستعمار، وأدركت أن مستقبلها يكمن في أوروبا، بدا الأمر وكأن جزر فوكلاند تثبت أن القوة الصارمة البريطانية لم تمت بعد ولا يزال بوسعها حشد قوة عمل وإجراء عمليات برمائية عن بعد لاستعادة حاكم بريطاني على جزيرة في البحار البعيدة، تمامًا مثل العصور القديمة والآن يعيش البريطانيون مع نتيجة ذلك الوهم: خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وباتت المملكة المتحدة في عزلة عن أوروبا، وموانئها تحت الحصار الذي فرضته على نفسها، وتتراجع التجارة، وتنخفض الأجور الحقيقية، ويتزايد الفقر.

وترجح الصحيفة أن بريطانيا تحتاج إلى صفعة حتى تعود إلى رشدها، فإذا كان لها أن تنقذ أي شيء ذي قيمة، فعليها أن تتوقف عن العيش في عالم الأحلام ذي اللون البني الداكن للماضي الإمبراطوري الذهبي وأن تواجه الواقع الحالي المرير وألا تنكره.

وختمت الصحيفة افتتاحيتها بالقول: "إن مواجهة هذا الواقع أمر صعب لأن الدولة البريطانية هي دولة إمبريالية، أنشأتها الإمبراطورية ومن أجلها، ولكن استمرار وجود المملكة المتحدة لا معنى له في عالم ما بعد الإمبراطورية وأوروبا المتكاملة، وبالتالي، للحفاظ على المملكة المتحدة ووحدتها، يجب الاستمرار في العيش في عالم لا معنى له، حيث يُعرض النبيذ الإنجليزي في زجاجات صغيرة الحجم كقصة نجاح ركيكة.

وتبدو المملكة المتحدة غير قادرة على إصلاح نفسها لكي تصبح دولة أوروبية عادية، الأمر الذي يتطلب، كحد أدنى، دستورًا حديثًا مكتوبًا مناسبًا وذلك لأنها ليست دولة واحدة، بل اتحاد إمبراطوري مكون من أربع دول وأي إصلاح ينكر التعددية الوطنية محكوم عليه بالفشل.