الأربعاء 17 أبريل 2024 الموافق 08 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

سفير مصر في سوريا: 25 مصريا محتجزين بمخيم إيواء الغوطة الشرقية (حوار)

الرئيس نيوز

دقائق قليلة تفصل موقعه عن قنبلة موقوتة تسمى «مخيم اليرموك» في سوريا يطلق من خلالها الصواريخ والقذائف ويخرج الإرهابيون، هنا يقطن السفير الدكتور محمد ثروت سليم، القائم بأعمال السفارة المصرية في دمشق، التقيته بعد وصولي إلى دمشق بـ 48 ساعة، استقبلني داخل مكتبه في منطقة كفر سوسة.
دبلوماسي فدائي، لم يكن اللقاء رسميا متكلفا، بل كان مصريا خالصا تغلفه حالة من الود لدبلوماسي يؤدي دوره في خدمة أبناء وطنه داخل منطقة صراع.
لم يكن هناك سابق معرفة بيني وبين الدكتور محمد، ولم أخطط لإجراء حوار صحفي معه، حصلت على رقمه من أحد الزملاء، تركت له رسالة قصيرة على الهاتف ببيانات مختصرة حول وجودي في دمشق، تحسبا لتعرضي لأي أزمة أثناء مغامرتي، لم أتوقع ذلك الاهتمام والمتابعة بشكل يومي حرصا على سلامتي.
كان الفضول يتملكني حول شعوره وهو على بعد أقل من 3 كيلو مترات عن مخيم اليرموك في قلب العاصمة السورية، بما يحمله من صراعات بين الفصائل الإرهابية المتناحرة «داعش» وجبهة النصرة والحصار العسكري الذي فرضه الجيش السوري.
سألته عن شعوره فى الوجود كمبعوث دبلوماسي في منطقة صراع وفي ظل أجواء قصف متبادلة، أجاب أنه قضى حتى الآن ما يقارب 3 سنوات ونصف منذ تكليفه بأعمال السفارة المصرية في دمشق، قبلها كان يشغل منصب المستشار السياسي لبعثتنا في الأمم المتحدة في نيويورك، متوليا ملف الشرق الأوسط.
يؤكد فى البداية أن الأمر له تأثير نفسي «فكرة إنك موجود فى مكان تسقط فيه قذائف من حولك أمر صعب»، وتعرضت السفارة المصرية لسقوط مقذوفات أكثر من 3 مرات أسفرت وقتها عن تلفيات بالمكاتب والحوائط، «الحمد لله لسة عايش».
يحكي أنه في اليوم الأول لوصوله لدمشق حجز غرفة بأحد فنادق العاصمة، ليخترق صاروخا إحدى الغرف في نفس الدور والتي كانت تقطنها زميلة دبلوماسية تابعة للأمم المتحدة وقد أصيبت بكدمات وشظايا، وكتبت لها النجاة.
سألته عن أسرتك، قال إنه على مدار أكثر من 20 عاما مدة خدمته فى وزارة الخارجية، لم يفارق أسرته، ولديه 4 أطفال بينهم توأم أعمارهم 12 و 9 و6 سنوات.
يؤكد أنهم جاءوا لزيارته بعد 8 شهور من استقراره فى دمشق، وفى أول يوم للزيارة سقطت قذيفة في البناية المجاورة فأصيبوا بالذعر، وأعدتهم للقاهرة بعد أقل من 24 ساعة.
يتابع ضاحكا: «بعد عودة الأولاد للمدرسة استدعت مدرسة الفصل زوجتي لتبلغها أن البنت تعاني من خيالات وتدعي أنها ذهبت لسوريا وأنها رأت قذيفة، لم تتوقع أن يكون ما رأته البنت حقيقيا، لم يكن من الآمن أن أبقيهم هنا فكان قراري باستقرارهم في القاهرة، وأقوم بزيارتهم كل ثلاث شهور».
الحديث يطول عن أوضاع ما بقي من المصريين في سوريا باختلاف محافظاتها، يقول إن السفارة المصرية لم تغلق أبوابها لحظة واحدة منذ بداية الأزمة على مدار السبع سنوات، تمارس دورها القنصلي والدبلوماسي والسياسي على أكمل وجه.
وأضاف أنه في بداية الأزمة فى عام 2011، تم عمل جسر جوي لنقل آلاف المصريين الذين كانو يعملون فى سوريا سواء فى شركات خاصة أو فى أعمال التجارة، وقد تحملت الدولة المصرية تكليف إجلائهم كاملة، على الرغم من ضخامة التكلفة، إلا أن الأولوية كانت لسلامة المواطن.
بقي عدد من المصريين يقدر بالآف، «للأسف المصريين فى سوريا لا يقومون بتسجيل أنفسهم فى السفارة المصرية»، يؤكد أن عددا قليلا جدا من يهتم بفعل ذلك.
وقال: «النقطة الثانية أن كثيرا من المصريين فى سوريا من الجيل الثالث، وهم أبناء المصريين الذين تزوجوا منذ أكثر 50 سنة في سوريا وأنجبوا وأولادهم تزوجوا وأنجبوا أيضا، والأبناء لم يكونو حريصين على التسحيل فى السفارة».
يبدى السفير تعجبه من تمسك المصريين بالبقاء فى أماكن الصراع، يفسر ذلك بأن هناك ظاهرة متفشية فى سوريا هي “التعفيش”، وهى سرقة ممتلكات المواطنين الذين غادروا، لا يتركون المنزل سوى أنقاض، كثير من المصريين رفضوا ترك المدن والقرى التي يعملون بها خوفا من سرقتها والاستيلاء عليها.
يحكي أنه فى 2016 وقت معركة حلب الشرقية، وهى معركة دامية كانت محل متابعة من العالم أجمع، وصنفت فيها حلب ثاني أكثر منطقة خطورة فى العالم، ونجحنا فى إخراج ثلاث عائلات مصرية ولكن هناك سيدتين من العائلات لم يقبلا المغادرة وترك ممتلكاتهما ونتابع أخبارهما بشكل مستمر ونرسل لهم مساعدات.
وقال: “وجهنا تحذيرات عديدة للمواطنين المصريين في أماكن الالتهاب العسكري بضرورة مغادرة الأراضى السورية، إلا أنهم يتمسكون بالبقاء، ولا نلوم أي شخص على تراجعه عن قرار.، وفور إبدائه رغبه فى المغادرة فإنه يتم الإسراع فى إخراجه وتقديم التسهيلات للعودة إلى مصر».
وعن كيفية إخراج المصريين الموجودين فى أماكن سيطرة مسلحين ولا تخضع لسيطرة الدولة السورية، قال إنه يتم التنسيق مع الحكومة السورية في إخراج المصريين من المناطق الواقعة تحت سيطرتهم، وفى الأماكن الأخرى فإن تنسيقا وديا يجرى مع المواطنين لحين وصولهم لأقرب نقطة خاضعة للجيش السوري.
وأضاف الدكتور سليم، أن السفارة المصرية نجحت في إخراج مصريين من أماكن صراع ساخنة مثل الغوطة الشرقية وحلب ودرعا، متابعا: «واجهنا مشكلة في أن يكون عدد أفراد العائلة أربعة أو خمسة، ولكن عند تحريرهم من الحصار نفاجئ بفرد أو اثنين زيادة، قد تم إنجابهم، وقد تزوج أحدهم، دون أوراق ثبوتية رسمية، وهو ما واجهناه في العائلات التي أخرجناها من حلب، فوجئنا بأطفال ليس لهم أي أوراق، الأمر الذي يحتاج إلى اللجوء إلى المحاكم لإثبات الزواج، واستخراج شهادات الميلاد، الأمر الذي يحتاج إلى العديد من الاتصالات والتسهيلات الحكومية لسرعة إخراجهم».
السفير كشف أثناء حديثه عن وجود 25 مصريا في مراكز الإيواء النازحين من الغوطة الشرقية والتي ظلت تحت حكم ما عرف بـ«جيش الإسلام» المتطرف، لما يقارب 7 سنوات، يقول إن 25 عائلة رجالها مصريين كانت ضمن العائلات المستقرة فى الغوطة الشرقية وخرجت مع النازحين عبر الممر الآمن، واستقر الأطفال والسيدات فى مناطق آمنة، بينما بقى 25 رجلا فى مركز الإيواء بمحافظة درعا السورية.
وأضاف: «وعدنا الجانب السورى بإخراجهم وتسليمهم للسفارة، وحصلنا على موافقة وزارة الخارجية السورية، وقد توجهنا بالفعل ثلاث مرات لمعسكر الإيواء لكن لم نوفق فى إخراجهم بسبب عوائق إدارية، ومازلنا نأمل من الجانب السورى تسهيل خروجهم».
وعن وجود مصريين في المناطق الملتهبة الباقية في دمشق مثل منطقتي اليرموك والحجر الأسود، أو في محافظات الشمال، قال إنه لم يتم الإبلاغ بوجود أي مصريين فى أماكن صراع أخرى لا خارج دمشق أو داخلها، والأرقام الساخنة الخاصة بالسفارة تعمل على مدار 24 ساعة لتلقي أي بلاغات والتعامل معها، لا أتوقع أن يكون هناك مصريين منطقة الحجر الأسود واليرموك، كانو طلبوا المساعدة من وقت طويل.
وعن موقف مصر السياسي من الأزمة السورية،  قال: «إحنا مقبولين من الأطراف السورية كلها فعلى المستوى الرسمي والحكومي فإن هناك ترحيب كبير بالدور المصري، نرى أن الحل يجب أن يكون توافقي بين النظام وبين المعارضة وبالتالي موقفنا محايد لا ننجاز إلى طرف على حساب الآخر».
وعن رأيه في أن الحل السياسي أمر بعيد في ظل الصراع العسكري على الأرض، رد أن الأزمة السورية شديدة التعقيد فهناك أطراف دولية وإقليمية عديدة جدا ومعقدة بدرجة كبير، حتى الأطراف التي تبدو أنها متوافقة، فإنها مختلفة فيما بينها بدرجة كبيرة فى وجهات النظر.
أضاف: «مصر متواصلة مع جميع أطراف الأزمة السورية ما عدا الأطراف الإرهابية المسلحة واحتضنت القاهرة أكبر منصة للمعارضة لأكثر من 100 شخصية لم تحمل السلاح ومؤمنة أن حل الأزمة لابد أن يكون حلا سياسيا عبر الجهود الدبلوماسية، إضافة إلى أن مصر لها دور للتهدئة فى المناطق الساخنة مثل الغوطة الشرقية وفى ريف حمص»، مضيفا أن بعض هذه الهدن تم خرقها إلا أننا ما زلنا نبذل مجهود فى محاولات التهدئة ونتجيب لأى طرف يطلب مننا بذل جهد للوصول لحل سلمي، عندما يأتي وقت الحل السياسى، وهو بالضرورة سيأتى، مصرسيكون لها دور فاعل ومقبول كونها لم تتورط فى الدماء السورية.
وعن موقف مصر العسكري، قال: «من فترة لأخرى تظهر هذه القصة في الإعلام، وتتكرر ويتم تداولها على الرغم من نفيها رسميا من قبل وزارة الخارجية»، وجزم أنه لم ولن يكون هناك وجود عسكري مصري على الأراضي السورية، ومصر أوضحت موقفها للعديد من الدول والأطراف سواء هنا أو هناك».
أضاف: «لن نشارك في أي جهد عسكري دون قرار من الأمم المتحدة ودون مظلة شرعية، نحترم سيادة الدول ولا نتدخل فى الشئون الداخلية لها».
لم يكن من السهل أن يتجاوز الحديث الوضع الإنسانى المتأزم والمأساوى والذى لمسته خلال الزيارة، فاجئني بأن الوضع الآن وعلى خطورته فهو أفضل عنه من عامين، قال السفير إن السفارة المصرية هى السفارة الوحيدة التى أشرفت على الأرض على توزيع مساعدات إنسانية لخمس محافظات سورية لم نفرق فيها بين أطياف بعينها أوفئات، وهو ما يؤكد أننا منفتحون على جميع طوائف ومكونات الشعب السوري وحرصنا على أن تكون مناسبة للمزاج السوري، وقمنا بإعداد دراسة عن المنتجات المناسبة فى ظل ظروف يتوفر فيها أدوات طهي أو غاز أو أجهزة، ونركز المساعدات الغذائية على علب المورتديلا الدجاج، والطحين اللازم لإعداد الخبز السورى، والحلاوة الطحينية لما تحويه من سعرات حرارية عالية تساعد على تحمل الجوع.
وتابع: «استقبلنا فى مصر 300 ألف سوري بشكل رسمي، وهناك ما يزيد عن 500 ألف دخلوا بشكل غير شرعي، واستقبلهم الشعب المصرى بالترحاب، ولم يواجهو صعوبة فى الاندماج، فنحن شعب بطبيعتنا ودود، ولم نعمل مخيمات لاجئين كغيرنا من الدول»
وأكد أن كل مواطن سوري يكلف الدولة المصرية 100 دولار لاستخدامه المرافق والخدمات المصرية المدعومة، في المستشفيات والنقل والمواصلات، ولدينا 40 ألف طفل سورى فى مراحل التعليم المختلفة فى المدارس المصرية، ولم يزعجنا ذلك بل نفعله بمنتهى الرضا لإنهم إخواتنا وفى أزمة وهذا واجبنا اتجاهم.
يستطرد: «من ناحية أخرى يجب أن يعرف المصريين أن رجال الأعمال السوريين إضافة للاقتصاد المصرى بمئات الملايين،من بينهم رجال الاعمال الحلبية فى قطاع النسيج، كما أن مصر تخطط لإنشاء منطقة صناعية سورية فى القاهرة».
وقال: «نشجع أي رجل أعمال سورى يستيعن بالسفارة للحصول على أى معلومات حول الاستثمار فى مصر نقوم بمده بكل ما يحتاجه من معلومات وتفاصيل وتسهيلات ونسهيل التاشيرات لرجال الاعمال وخاصة رجال الصناعة لتشغيل العمالة والدفع بالاقتصاد المصرى».
ويضيف أن هناك حجم تبادل تجارى كبير بين مصر وسوريا، يتخطى بكثير التقديرات الرسمية البالغة 300 مليون دولار.
وعن الحديث عن إعادة الإعمار، ووجود دراسة لحجم المشاركة المصرية في إعادة الإعمار السوري، قال إن مسألة إعادة الإعمار تبدو سابقة لأوانها الآن، على الرغم من أنه فى أغسطس الماضى زار أحمد الوكيل رئيس اتحاد الغرف التجارية، دمشق لدراسة الفرص المصرية  فى المشاركة فى مشروعات إعادة الإعمار ولكن حتى الآن لم تحظ مصر بمشروع كبير أو مؤثر، وهناك ثلاث نقاط فيما يتعلق بمشاركة مصر فى إعادة الإعمار، أولها أن بعض الأطراف الأقليمية والدولية تستحوذ على حصة كبيرة من الاقتصاد السورى، والثانية أن الأوضاع أمنيا لم تستقر على الأرض بشكل نهائى مما يسمح لشركات بمعداتها وموظفيها الدخول لسوريا للعمل، والثالثة لعقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا تحد من حركة الدولار ومن التعاملات الاقتصادية والاستثمارية الخارجية.