الخميس 28 مارس 2024 الموافق 18 رمضان 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تحقيقات وحوارات

تحت الأرض في دوما.. كيف قامت «دولة جيش الإسلام»؟ (2)

الرئيس نيوز

من كان يعتقد أن الأرض الخضراء “ستحترق”، هذه البساتين وحدائق الفاكهة في غوطة دمشق تنبت العنف والكراهية، تنضح بكل تلك الشرور، أن تتحول الثمار إلى قذائف موت وطلقات تحصد الأرواح في قلب العاصمة السورية.
7 سنوات كاملة تشكلت فيها دولة ما عرف بـ”جيش الإسلام” في الغوطة الشرقية، متخذة من مدينة دوما مركزا لها، دولة كانت لها قوانينها ومحاكمها وحكامها.
وغوطة دمشق تحيط بمدينة دمشق من الشرق والغرب والجنوب وهي تتبع دمشق وريفها. هي سهل من البساتين، تشتهر بخصوبة الأرض وجودة المياه حيث تغذي بساتين الغوطة مجموعة من الأنهار الصغيرة من فروع نهر بردي.
مركز الغوطة الشرقية وبدايتها هي مدينة دوما تمتد نحو الشرق والجنوب محيطة بمدينة دمشق ببساط أخضر وكثافة أشجار الفواكه الشامية الشهيرة (الجانيرك والمشمش والخوخ والدراق والكرز والتوت والجوز)، وزراعة الذرة الشامية وجميع أنواع الخضروات وأشجار الحور الباسقة الممشوقة، وتواصل الغوطة امتدادها إلى مناطق وقرى وبلدات أصبحت مدن الآن مثل زملكا وجرمانا والمليحة وعقربا و حزة وكفربطنا وعربين إلى أن تلتقي بالغوطة الغربية لتكمل احتضان دمشق بالبساتين.
في بدايات الأزمة السورية تشكل تحالف للقوى مسلحة كان منطلقها الرئيسي هي منطقة دوما في عام ٢٠١١ كان يعرف بـ”لواء الإسلام” وفي عام ٢٠١٣ أصبح يعرف بـ”جيش الإسلام”.
قائد جيش الإسلام محمد زهران بن عبد الله علوش، ولد في المدينة في ريف دمشق، وهو ابن الشيخ عبد الله علوش، والتحق بكلية الشريعة في جامعة دمشق ودرس الماجستير، وحصل على ماجستير ثم سافر إلى المملكة العربية السعودية حيث أكمل التعليم الشرعي في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ودرس على يد الشيخين عبد العزيز بن باز وعبد الله بن عبد العزيز العقيل، وعاد ليعمل في المقاولات بسورية إضافة لنشاط جديد في الدعوة السلفية.
وكان نشاطه وراء اعتقاله في 2009، من جانب جهاز الأمن السوري ، بتهمة حيازة الأسلحة، وبعد ثلاثة أشهر من انطلاق الأزمة السورية في 2011، خرج علوش من سجن صيدنايا الذي أمضى فيه عامين.
بعدما أسس زهران علوش عددا من المجموعات المسلحة ووحدها تحت راية ما يعرف بـ “جيش الإسلام” و جهزها بالعتاد خاض معارك كبيرة وحروب ضارية ضد المجموعات المسلحة الأخرى التي تقاسمه النفوذ في مناطق سيطرته تكبدت فيها كل المجموعات خسائر كبيرة كان أشهرها معاركه مع “جيش الفتح” و”فيلق الرحمن” إلى أن لقي حتفه بأحد الغارات الجوية في 2015.
سيطر خلال فترة قصيرة على عدد كبير من المواقع المهمة للجيش منها كتيبة الدفاع الجوي في الغوطة الشرقية، والفوج 274 ورحبة إصلاح المركبات الثقيلة وكتيبة المستودعات وكتيبة البطاريات وكتيبة الإشارة والدفاع الجوي.
«جيش الإسلام» الذي شغل مواقع قيادية فيه منحدرون من أسر تجارية ودينية دومانية معروفة،ويتبنى نهج السلفية الجهادية.
وشكلت وجود الفصائل في الغوطة الشرقية تهديدا للعاصمة دمشق التي تعرضت خلال السنوات الماضية لقذائف أوقعت مئات الضحايا. واعتبر الجيش السوري أن السيطرة على الغوطة الشرقية تحقق إعادة الأمن والاستقرار بشكل كامل إلى مدينة دمشق ومحيطها.
شارك بمفاوضات “الرياض” عام 2015، وبعدها في جنيف، عبر مسئوله السياسي محمد علوش.، وتولى أبوهمام البويضاني قيادة جيش الإسلام  خلفا لـ”علوش”،  وتولى وحمزة بيرقدار، هو المتحدث باسم هيئة أركان “جيش الإسلام”.
في بداية العام ٢٠١٨ شن الجيش السوري حملة عسكرية على التنظيمات المسلحة في الغوطة الشرقية أنهى من خلالها التواجد المسلح في كل مناطق الغوطة كان آخرها منطقة دوما، التي لم يلبث تكفيريوها أن وافقوا على شروط الجيش السوري بالرحيل إلى جرابلس وبذلك تكون أهم مناطق سيطرة جيش الإسلام وقاعدته الرئيسية في عملياته (دوما) قد أصبحت تحت سيطرة الجيش السوري تماما.
فيديو قصير يظهر طبيبا بمستشفى دوما يصب المياه على عدد من الأطفال، مستخدما بخاخات، ويظهر في خلفية الفيديو، أطفال يصيحون بأن المدينة تعرضت لقصف صاروخي كيماوي.
في دقائق معدودة أصبحت نجم الساعة ليس في سوريا فقط ولكن في العالم أجمع، لا أحد يمتلك حقيقة ما حدث، فقط اتهامات متبادلة، ووكالات أنباء تبث تقارير تتناقلها الصحف دون يقين، ورغم تشكيل لجنة تحقيق دولية حول حقيقة الواقعة، لم تصل اللجنة لأي إثبات على وقوع هجوم كيماوي، الدول الثلاث تشكك تدعي أن آثار الجريمة محيت.
لم يكن سهلا على صحفي فضلا عن كونه محرر عسكري أن يكون في دمشق، دون أن يسعى لتقصي الحقيقة، مهما كانت صعوبة ذلك، لم أستطع منع نفسي من المحاولة على الأقل.
في التاسعة صباحا حملت كاميرا وجهاز تسجيل، سألت السائق”أبو علي” كم سيستغرق الطريق من منطقة البحصة في وسط دمشق، إلى دوما، أخبرني أن الطريق لن يستغرق أكثر من نصف ساعة، واستطرد شارحا أن المدينة لا تبعد كثيرا عن أطراف العاصمة.
دقائق قليلة قطعتها السيارة قبل أن تصل إلى ما يعرف بساحة العباسين، وتمر على حي جوبر، ليخبرني مرافقي أنه قبل شهرين فقط لم يكن أحدا ليجرؤ على المرور في تلك المنطقة من العاصمة، وسط انطلاق القذائف، أو تلتقطه عيون القناصة والمسلحين الذين بسطو سيطرتهم على المنطقة.
بدا حي جوبر  كأنه منطقة أشباح، تخلو إلا  عناصر الجيش المنتشرين، وسط دمار كبير حل بشوارعه ومبانيه. وتحولت نوافذ وشرفات المباني المتضررة إلى متاريس رملية، القليل من الأهالى كانو يزيلون أثار الحطام من الشوراع ، ويفتحون الطرقات أمام محلاتهم.
طريق دمشق/حمص الدولي، كان ذلك الطريق بمثابة عالم آخر مختلف كلية عن دمشق الساهرة حتى الخيوط الأولى من الفجر، بدا وكأن الطريق الاسفلتى يسحبنا إلى عالم أخر من الدمار، فلا شئ على مدى البصر سوى الخراب والحطام، أشار السائق إلى أن هذا الطريق عاود العمل حديثا منذ يومين فقط، بعدما استعاد الجيش السوري السيطرة على أحياء حرستا والقابون وبرزة وتشرين.
على جانبي الطريق كل شئ مهدم، لم يبق سوى لافتات محترقة، المنطقة كانت بمثابة تجمع لتجارة السيارات، معارض لشركات كبرى، ولكن كل شئ دمره القصف، فقط أنقاض في كل مكان، ما زال تعبيد الطريق مستمر رائحة المازوت تفوح من الطريق، على الطريق مستشفى، كانت تستخدم لعلاج الأطفال من السرطان، توقفت ع العمل لا احد كان يجرؤ على المرور من هنا، فهو طريق للموت لا للحياة.
ومستشفى آخر للشرطة تعرض للقذف من قبل تنظيمات متنوعة، ولكن يؤكد أبو علي أنه ظل يعمل لخدمة من بقي في الأحياء المجاورة، على يسار الطريق، ضاحية الأسد، تعرضت لهجوم من قبل داعش، لكن الجيش استطاع استردادها في أقل من 10 أيام، وظل الأهالي بها لم يغادروها، وإن ظلت في مرمى نيران وقذف التنظيمات من الجانب الأخر للطريق حيث حريستا والدوما.
تنتشر كمائن الجيش على الطريق، لتفتيش السيارات، قبل أن تسمح للبعض بالعبور ، والبعض الآخر بالاصطفاف على جانب الطريق.
بعد أقل من نصف ساعة وصلنا إلى مدينة دوما، كل المداخل إلى المدينة، أغلقت بسواتر رملية، فقط مدخلين يسيطر عليهما الجيش السوري، لايسمح لأحد بالدخول أو الخروج من المدينة على الإطلاق إلا بموافقة أمنية.
يخبرني مرافقي، أنه لن يكون مسموحا بفتح المدينة أمام حركة الدخول والخروج إلا بعد 6 أشهر على الأقل، أولا للتأمين الكامل، والثاني لضمان عدم وجود أي عناصر إرهابية مازالت مندسة بين الأهالي.
تستقبلك ساحة في واجهة المدينة تعرف بساحة الشهداء، هي المكان الذي اتخذه جيش الإسلام لتنفيذ قرارات الإعدام في المدنين العزل المخالفين لقراراتهم أو شرع الله بحسب رؤيتهم.
لا شئ يذكر على حاله بعد هذا النصب الذي ما زالت الدماء تلطخه، مساجد مهدمة استخدمت مئاذنها من قبل المسلحين لإطلاق القذائف والقنص.
بقايا أنقاض لمستشفى كان تابعا لوزارة الصحة قبل سبع سنوات هي مدة احتلال المسلحين عليها، المدينة مدمرة بشكل كامل، لا يوجد مبنى واحد مكتمل، حتى أنك تتساءل أين ينام سكانها؟!.
عاد مفتشو الأسلحة الكيميائية إلى أمستردام، بعد أن جمعوا عينات والتقوا شهودا لتحديد شهودا لتحديد إن كانت أسلحة محظورة استخدمت في الهجوم الكيميائي المفترض.
فريق الخبراء أنهى عمله في دوما بعد أن أخذ عينات من مكانين يعتقد بأنهما تعرضا لهجوم كيميائي، وقالت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في بيان لها إن تحليل العينات قد يستغرق ما لا يقل عن ثلاثة إلى أربعة أسابيع، مشيرة إلى أن بعثة تقصي الحقائق ستواصل عملها لجمع مزيد من المعلومات، ولا يمكن إعطاء إطار زمني لتاريخ إصدار تقرير بشأن هجوم دوما.
حاولت الوصول إلى مكان سقوط الصاروخ محل الجدل كونه صاروخا حربيا أم حاملا لمواد كيماوية، إلا أن الموقع كان فد تم تحديده وإغلاقه، ووضع حاجز أمنى يمنع الوصول إليه.
كانت محطتي الأولى هي مستشفى المدينة، التي قيل أنها كانت نقطة انطلاق شائعة واقعة استخدام سلاح كيماوي.
لافته علقت حديثا كتب عليها مستشفى ريف دمشق التخصصي التابعة لوزارة الصحة، كما يبدو أنها بعد دخول قوات الجيش السوري إلى المدينة.
المستشفى الذي أقيم تحت الأرض، بعمق يزيد عن 50 مترا، تم حفر نفق لتفريعتين الأول سيارات الإسعاف والآخر يقود إلى سلالم لتصل إلى عيادات.
المكان مكتظ بمرضى أغلبهم جاءوا للتغير على الجروح، تنوعت الإصابات بين شظايا في الساق، والأيدي، أو التغير على عملية بتر، وكان ملاحظا وجود عدد من الأطفال على جهاز للأكسجين.
بحثت عن الطبيب الذي ظهر بالفيديو يعالج الأطفال وضحايا الهجوم الكيماوي المزعوم، شاب لا يتجاوز عمره الخامسة والعشرين يدعى عدنان جركس، سألته هل أنت طبيب بالفعل، قال الشاب إنه كان يدرس في الفرقة الثانية في كلية الطب بدمشق، قبل سبع سنوات، عندما فرض جيش الإسلام سيطرته على دوما، ومنع أهلها من الخروج.
ومع زيادة عدد الجرحى والمرضى، اتجه الشباب الذين ما زالوا قيد الدراسة إلى ممارسة الطب، والعمل في المستشفى.
عاودت سؤاله عن حقيقة ما قيل عن هجوم كيماوي على دوما، قال إنه في هذا اليوم كان يساعد في إجراء جراحة لأحد المرضى في غرفة العمليات، قبل أن يتم استدعاؤه على عجل لإغاثة مريض بصحبته شخص مدني في حالة هلع يقول إنه تعرض لاستنشاق غاز كيماوي، أطلق بواسطة أحد الصواريخ، يضيف عدنان أنه كان هماك حالة من الهلع.
يكمل: كان هناك أكثر من 500 شخص يحتمي بالمستشفى من القصف الجوى، فور انتشار الإشاعة بينهم صارت حالة من الهلع، وأسرع الجميع من أعلى إلى أسفل، يؤكد عدنان أنه لم ترد إلى المستشفى أي حالة بغاز سام أو غاز كيماوي.
يضيف عدنان: “حالات الأطفال التي دخلت المستشفى كلها تعاني من حالات ربو، نتيجة البقاء مدد طويلة في الخنادق والأقبية هربا من القصف، يضيف عدنان أن مدة الحصار التي بلغت 7 سنوات، أصابت معظم الأهالي وليس الأطفال فقط بأمراض بالرئة وضيق بالتنفس”.
يستطرد، “كل الحالات التي تأتينا نعالجها بالأكسجين فقط لا غير، كما أن جميع من دخلوا المستشفى جاءوا سائرين على أقدامهم، والمعروف أن استنشاق غاز سام يؤدى إلى حالة كاملة من الشلل لا تسمح للضحية بأي حركة، كل من ظهر بالفيديو جاء على قدميه، بما فيهم الأطفال، كما أنه لم يظهر عليهم أعراض التعرض لغاز سام، من غشاوة البصر، وصعوبة التنفس، واختلاج العضلات، والتعرق، والتقيّؤ، والإسهال، والغيبوبة، والتشنجات، وخروج زبد أصفر من الفم”.
وأكد: “كل ما تلقيناه في ذلك اليوم هو 15 طفلا عانوا من مرض الربو وضيق التنفس وتم وضعهم على أجهزة الأكسجين والبخار”.
عن القتلى يقول إن من سقط في ذلك اليوم سقط جراء القصف الحربي، وليس غاز كيماوي كما تم الادعاء، جاءت لجنة  للتحقيق من دمشق، وأخذت افادتى وأقوالي، كما جاءت لجنة تحقيق دولية، وأخذت إفادة العائلات بالمدينة.
عدنان يؤكد أن أحدا لا يعرف من صور هذا الفيديو ولا سربه، كان الجميع مذعور والعاملين بالمستشفى مشغولين بتهدئة المرضى، وتقديم الإسعافات لجرحى القصف.
منذ تسلم الجيش مدينة دوما، عمل على توفير الأدوية وعدد من الأجهزة الضرورية الأزمة لإجراء العمليات الجراحية العاجلة، يوضح أن المستشفى يستوعب 150 شخص، لكن هناك نقص في كل شئ حتى في الأطباء ، معظم الأطباء من الكفاءات الحقيقية خرجت مع المعارضة إلى شمال إدلب ضمن الاتفاق مع الجيش السوري.
وتابع: “وقت خضوع المدينة لسيطرة مسلحين جيش الإسلام، لم يكن هناك أي اهتمام بالمستشفى الذي يخدم المدنين، يوضح أنهم جهزوا مستشفى خاص بجرحاهم كانوا يوفرون فيه ما يلزمهم من أدوية ومعدات طبية”.
يلتقط الطبيب مروان جابر طرف الحوار ويؤكد، أن جميع الحالات الاختناق التي جاءت إلى المستشفى هي عبارة عن اختناقات نتيجة الغبار والدخان الصادر عن القذائف التي تسقط على دوما حيث لم يراجعنا أحد مصاب بغاز كيماوي .
ويكمل “ما تم القيام به هو عبارة عن كذبة لا أكثر واتهامات باطلة، فقد فوجئنا باقتحام المستشفى من عدد كبير من أسخاص مدنيين يصرخون بأن هناك هجوم كيماوى، و كان معهم أشخاص، قاموا برش الماء وتصويره. نحن لم نكن نعلم سبب هذه الفوضى والضجيج ولكن بصفتنا كادر طبي ذهبنا وقيمنا الحالات ولم نجد أي أعراض لاستخدام سلاح كيماوي.
ويضيف الطبيب تتراوح أعراض الأسلحة الكيماوية بين الحروق أو تقرحات الجلد أو العيون، السعال، الأمراض الصدرية، الدوخة، الغثيان والنعاس والصداع والتشنجات، إضافة إلى التغوط والتبول اللا – إرادي والوخز والبثور وتقبض الحدقة والذي هو عبارة عن الانقباض المفرط لبؤبؤ العين لافتا أن هذه الإعراض لم تكن موجودة.
في غرفه جانبية، وقفت سيدة ترتدي عباية سوداء وتغطي وجهها بغطاء أسود، تضع طفلا على جهاز للتنفس، اقتربت منها سألتها، عن حالة الطفل، قالت إن معظم أطفال المدينة مصابون بالربو نتيجة استنشاق الغبار الناتج عن القصف، والبقاء فترات طويلة في الخنادق هربا من القصف.
تضيف السيدة أنها سعيدة أخيرا بوصول هذا الجهاز إلى المستشفى بعد تسلمه من قبل قوات الجيش، تتابع: “ظللت سنوات طويلة لا أجد طريقة لعلاج الصغير من نوبات ضيق التنفس، لم يكن جيش الإسلام يهتم بتوفير اى رعاية للمدنيين”.
في شوارع دوما تجمع عدد من الأهالي حول إحدى السيارات التي تحمل فناطيس مياه كبيره، لتزويد أهل المدينة بكميات مناسبة من المياه للإعاشة، فقد تم تدمير البنية التحتية بشكل كامل، ما أدى إلى انقطاع الماء والكهرباء، وتم تزويد المدينة مؤقتا بمولدات كهرباء لمساعدة المستشفى على العمل.
ويقوم الهلال الأحمر بتوفير الأدوية والمواد الغذائية بكميات مناسبة للأهالي الباقين في المدينة، توزعت عدد من السيارات التابعة لمحافظة ريف دمشق محملة بأنابيب البوتاجاز، كما تم افتتاح منفذ لبيع السلع الغذائية لأهالي دوما بحسب الأسعار النظامية للدولة ( الأسعار الرسمية).
الجحيم لم يكن فوق الأرض فقط في دوما، ولكن مدينة كاملة أخرى قد حفرت في باطنها كأحد حفر العذاب، شبكة كاملة من الأنفاق المخططة لسير المشاة، وتفريعات أخرى لسير السيارات، مستشفيات ميدانية، مخازن للأسلحة.
تمتد شبكة الأنفاق من دمشق إلى الغوطة الشرقية مرورا بحسارتا والدوما، أقام المسلحون نفقا رئيسيا طوله من4 إلى 5 كم ويتفرع إلى أنفاق فرعية طول الواحد منها نحو 600 متر موصولة إلى أماكن إقامتهم كما اكتشف الجيش مساند رمي ومتاريس وخطوطا قتالية وتحصينا.
وفى دوما يمتد نفق ضخم للإرهابيين يمتد من المزارع بارتفاع 6 أمتار وعرض 15 مترا وهو عبارة عن جراج يتم بداخله تجميع الآليات والعتاد الثقيل وورش تصليح السيارات والآليات العسكرية.
ووضعت دعامات معدنية على امتداد سقفه، بالإضافة إلى كاميرات مراقبة وشبكة إضاءة لإنارة الطريق المظلم.
هذه الأنفاق كانت تستخدم لجلب المواد الغذائية من دمشق لبيعها للسكان مقابل ربح مالي قد يتجاوز ضعف سعرها الحقيقي. كما عثر أيضا على مستشفيات ميدانية تحت الأرض لعلاج مقاتليهم.
وقد قدر عدد المسلحين الذين سيطروا على دوما بنحو عشرة آلاف شخص، علاوة على نحو 150 ألف مدني، ومع إبرام روسيا الاتفاق بخروج الفصائل المسلحة من الغوطة الشرقية، طالبت موسكو بتزويدها بخريطة لشبكة الأنفاق الكبيرة.
بحسب المصدر العسكري فإن بناء النفق استغرق حوالي سنتين من الحفر والتدعيم،وبحسب الوثائق التي عثر عليها عقب تحرير المدينة، وبقيت فى حوزة قوات الجيش هناك،واطلعنا عليها، والتي تعود لما يسمى بـ هيئة الأشغال والخدمات العسكرية لـ” جيش الإسلام” في مناطق مختلفة من الغوطة الشرقية.
فإن عدد الأنفاق في قطاع الريحان وصل إلى 13 نفقا بطول 00،150 مترا للنفق الواحد و صلت سماكة سقف الخندق إلى55 سم.
ما في منطقة الأعطلة فقد وصل عدد الأنفاق إلى 7 أنفاق ولم تتوفر معلومات عن أطوالها وفي حوش الضواهرة وصل عدد الخنادق إلى 8 خنادق بطول 294 متراً للخندق ووصلت سقف الخندق إلى 35 سم أما قطاع دوما فيوجد 26 خندق بطول 832،66 مترا للخندق الواحد كما وجد 118 نفقا وفي النشابية وما حولها يوجد 9 أنفتق بطول 724 متر للنفق الواحد ويوجد18 نفقا في أوتابا و222 خندق جر ويوجد 24 خندقا في حوش نصري وفي الشيفونية يوجد 22 خندقا كما يوجد 9 خنادق في تل فرزات ولا تتوافر معلومات عنها بينما تم العثور على 50 خندقا في كرم الرصاص و11 خندقا في منطقة أبو غسان و18 خندقا في أكساد بت.

شبكة الانفاق لم تكن فقط لتهريب المواد الغذائية، وانتقال المسلحين بين المدن المختلفة القريبة منهم والمسيطرين عليها، بل أيضا لتامين تحركت القيادات لتلك التنظيمات المسلحة، والاهم من ذبك الربط بين شبكة من السجون التي أنشأها هؤلاء المسلحون تحت الأرض.
جيش الإسلام يتخذ سكان عدرا “عبيد ” لحفر الأنفاق
في 2013، اختطف مسلحون أكثر من ثلاثة آلاف من أهالي مدينة عدرا العمالية، أطفال ونساء وعائلات بأكملها رهائن لدى “جيش الإسلام”، لاتخاذهم أسرى ودروع بشرية.
يحكى المحررين من المختطفين بمدينة عدرا العمالية، ما عانوه من استعباد وإذلال على يد جنود جيش الإسلام، لمجرد أنهم من طوائف دينية أخرى، أو يؤيدون الدولة
يحكى شخص يدعى طارق حكاية اختطافه على يد المسلحين ، تم اختطافى أنا وأربعة أفراد من عائلتى من مدينة عدرا العمالية، وقتها دخل مسلحين المدينة، ليخطفو كل من وجدوه فى الشوارع وعلى المقاهى وفى المكاتب والمؤسسات الحكومية، لم يفرقو بين الرجال والنساء والأطفال، يتابع: بعد اختطافنا توجهو بنا إلى الدوما و تم فرز المخطوفين في غرف تحت الأرض منها للرجال وأخرى للنساء والأطفال.
كانوا يضعون المعتقلين في أقفاص ويجوبون بنا في شوارع المدينة من أجل إرهاب الآخرين،كانت مهمة الرجال حفر الأنفاق من أجل الاستمرار في العيش والحصول على الطعام.
قتلو العديد منا ذبحا من المدنيين والعسكريين، لم يكن مسموح لنا أن نتحدث إلى أولادنا، 5 سنوات كاملة قضيتها فى الأسر، عملت فيها فى حفر الأنفاق بمعدل 12 ساعة يوميا.
الملازم إدريس هو مرافقي في جولة شبكة الأنفاق تحت الأرض، كونه الأدرى بدروب تلك الأنفاق وتفريعاتها ويعرف مداخل ومخارج السجون الموصولة بتلك الأنفاق.
بدأنا الجولة بسجن “التوبة”، ليبدأ في الشرح أنه بحسب الأهالي فإنه سجن متخصص في “الجرائم المدنية”، وفي داخله يقيم الجماعات المسلحة لجيش الإسلام دورات شرعية وإصلاحية لاستتابة المساجين والعودة إلى شرع الله على حد قولهم، ومن يبدي من مساجينه رغبة في التوبة والانضمام إلى جيش الإسلام، يتم إطلاق سراحه بعد توظيفه ضمن التنظيم.
غرف مقبضة ومظلمة، يوجد بها منفذ وحيد للهواء، نافذة لا تزيد مساحتها عن نصف متر، الغرفة الضيقة التي لا يزيد مساحتها عن 20 مترا قضبان حديدية ، في أحد جوانبها مكان خصص لقضاء الحاجة محاط بحائط أسمنتي، في أحد أركان الغرفة  يوجد مكتبة بها عدد من المصاحف، وكتب عن الفتوحات العربية.
بعض الغرف بها أكثر من ثلاثين سريرا على الرغم من ضيقها الشديد،عند دخول الجيش السوري كان هناك ما يقارب ثلاثة ألاف شخص داخل هذا السجن.
وقد عثر على عدد من أجهزة التعذيب البشعة، حيث كان يتم توثيق المسجون على لوح خشبي، أشبه بعملية الصلب قبل أن يتم تعذيبه وتجويعه، وهى آلات صنعها التنظيم المسلح يدويا.
مئات المساجين الذين ساقهم حظهم العثر إلى تلك الزنازبن الضيقة، تركو رسائلهم محفورة على الجدران، البعض حفر اسمه او كنيته والبعص الأخر خط رسائل إلى شخص ما، أحدهم كتب الدوما لن تموت، رسائل لم يكن من حفرها أن يروا النور يوما، أو ان يراها غير سجانيهم.
أما النساء، وعلى اختلاف تهمهن، فيجري تحويلهن إلى”سجن النسوان”، وبحسب المرافق العسكري فانه عند اقتحام قوات الجيش السوري للسجن، مان هناك أكثر من 75 معتقلة، جرى تحريرهن جميعا وتحويلهن إلى المستشفيات لتلقي العلاج المناسب، حيث يخضع البعض منهن لعلاج نفسي أو عصبي، كالصرع والانفصام وحالات الهوس بسبب الاعتقال بتهم جنائية، ولا أحد يعرف مدى صحة هذه التهم، ولكن في كل الأحوال كان هذا السجن مخصص لاحتجاز النساء.
كما ترتبط شبكة الأنفاق بسجن يدعى سجن “الباطون” في بساتين دوما “سجن عسكري”مخصص للعقوبات العسكرية داخل جيش الإسلام، وللأسرى العسكريين من التنظيمات المسلحة الأخرى.
أما “سجن المنفردة” فهو عبارة عن مجموعة من الغرف المنفردة يصل تعدادها إلى حوالي 50 غرفة، وقد عثر في إحدى الغرف على أحد المساجين لأكثر من عام ونصف لم يخرج من تلك الزنزانة الضيقة وحيدا.
في بداية الأزمة السورية، كانت قوات الجيش قد تمركزت في مدينة الغوطة، واشتبكت قوات الجيش مع الفصائل المسلحة، قبل أن تنجح الأخيرة في السيطرة على المدينة، وتحتجز عدد من أفراد قوات الجيش أثناء انسحابها، كما تم أخذ عدد كبير من الأهالي المؤيدين للجيش والدولة السورية كأسرى.
على مدار سنوات الأزمة تسربت أخبار عن عدد من صفقات التبادل بين، التنظيم وبين الدولة ، من بينها صفقة القيادي الجهادي حسن صوفان، الذي كان معتقلًا في سجن صيدنايا وخرج بصفقة تبادل في 2016، مقابل قائد حملة رتيان بريف حلب، رامي حميدوش،وقال “جيش الإسلام “عبر بيان له وقت ذاك، إنه تمكن من تنفيذ صفقة تبادل 36 سجينا من فصائلهم مقابل 11للدولة”.
ويقدر المفقودون بأنهم (قتلى أومختطفين) على جميع جبهات الغوطة، منذ بداية الأزمة السورية حتى اليوم، بثمانية ألاف.
أحد الأهالي في مدينة دوما، قال إن عناصر المسلحين التابعين لما يعرف بجيش الإسلام، قتلوا عددا من الأسرى قبيل مغادرتهم المدينة، مؤكدا أنهم حرقوا جميع الوثائق الخاصة بالأسرى الذين كانوا في سجن التوبة والذين تمكن الجيش السوري وحليفه الروسي من إخراج حوالي 200 أسير خلال الفترة الماضية  ضمن الاتفاقية التي تم تنفيذها.
وأضاف أن جيش الإسلام صرح لأهالي دوما بوجود حوالي 3000 أسير في سجونهم وسوف يتم الضغط على الدولة السورية من خلال هؤلاء الأسرى من أجل وقوف أهالي دوما معهم ورفض دخول الجيش السوري للمنطقة.
يكمل المصدر، أنه تم جمع الأسرى في ساحة الشهداء وتم إعدامهم من خلال إطلاق النار عليهم قبل خروجهم بيومين مبيناً أنه وخلال الساعات الأخيرة قام المسؤول عن الأسرى بجمع جميع الوثائق التي يمكن التعرف بها عن الأشخاص من جوازات سفر وهويات مدنية وعسكرية وشهادات سواقة وحرقها كما تم وضع الجثث جميعها في المقبرة الموجودة بحديقة الجلاء.
حرصت على توثيق تلك الشهادة بصور للوثائق وجوازات السفر والأوراق الثبوتية لمن تم قتلهم من الأسرى، يقول المصدر أنهم كانوا 25 شخصا تم تصفيتهم قبيل خروج المسلحين من دوما.
ومن خلال الوحدات الهندسية التابعة للجيش السوري تم تطهير دوما من الألغام سواء التي كانت مزروعة بالمزارع أو حول المدينة، وفى البيوت، وقد تم المسح الكامل لحماية المدنيين،وقد انفجر لغمان في طفلين، قبل أن تنجح قوات الجيش في تطهير المنطقة.
كما عثرعلى مختبر يحتوي على مواد لازمة لإنتاج الأسلحة الكيميائية في دوما وأوضح أن المختبر يحتوي على مادة الكلور المماثلة لتلك التي تم استخدامها في الهجوم الكيميائي المزعوم في دوما وأن المختبر يقع في الطابق السفلي من مبنى سكني والمجموعات الإرهابية التي كانت داخل مدينة دوما استخدمت هذا المختبر.
كما صودرت أعداد كبيرة من أسلحة القنص والبنادق اليدوية، والقنابل اليدوية محلية الصنع، وضبط مخازن سلاح لمقذوفات سهم الإسلام.
وصاروخ “سهم الإسلام 4” جيل جديد من الصواريخ محلية الصنع التي يصنعها “جيش الإسلام”، وهو الصاروخ الذي تم تطويره عن  الجيل السابق “سهم الإسلام 3” بمداه الطويل الذي يصل إلى عشرات الكيلومترات والقدرة التدميرية العالية، وأشار أن الرأس المتفجر الذي يحمله الصاروخ أقوى بـتسع مرات من الرأس المتفجر لصاروخ كاتيوشا
من ضمن ترسانة الأسلحة التي خلفها جيش الإسلام وراءه، كانت 35 دبابة وهى المعدات التي تم الاستيلاء عليها في بداية الأزمة من مستودعات سلاح الوحدات العسكرية التابعة للجيش، كذا قاذفات صواريخ أرض_أرض.